الدليل الباقي في عذاب العراقي
ميسلون هادي
لماذا على العراقي أن يتعذب خمسين عاماً؟
عندما جاء العراق (الديموقراطي) بعد ثلاثين عاماً من الحروب والجبهات والغارات وآلام الحصار وقهر العزلة، جاء معه البطران لكي يعنّف العراقي على ارتضائه بظلام الاستبداد ورعب الحزب الواحد، وما هي إلا سنوات قلائل حتى جاء بطران آخر ووجه له اللوم على ارتضائه بالفاسدين وخنوعه للأحزاب الطائفية التي أجهزت على آخر أنفاس المدنية وحولت العراق إلى خراب. ترى ماذا يفعل العراقي أكثر مما فعل في ثلاثين عاماً خلت؟ كم مرة عليه أن يمتحن لكي ينجح في الامتحان؟ كم مرة عليه أن يجوع ويعانى ويحارب ويقاتل ويعارض ويتهجول ويعتقل ويفقد أعزائه وأصحابه وبلاده، وحتى عندما جاءه الفرج كان عليه أن يُقصف ويُخطف ويُهجر مع (التغيير) ويحترق أجداد أجداده كلهم في حرب مستمرة منذ عام 2003 ، مع هذا لم يتخلف عن دوره، وصاح هيا بنا، وذهب إلى امتحان جديد هو الانتخابات.. وما أدراك ما الانتخابات.. انتخب في المرة الأولى فجاءه الفاسد والطائفي والإرهابي، ثم ذهب مرة أخرى فوقع في حيص بيص لتفسير من هي القائمة الأكبر، واختلط عليه الحابل بالنابل في معرفة الرابح من الخاسر.. ولم يكن الخاسر الأكبر سوى العراقي الذي ضاق بالتوافقات الطائفية وسوء الخدمات، فصاح مرة أخرى هيا بنا، وخرج وتظاهر في ساحة التحرير علمانياً ومدنياً وصدرياً… ناشطات ومثقفات وربات بيوت.. صحفيون وفقراء وطلاب جامعات.. فلم ينصت لصوته أحد وتركوه يعوي كما تعوي الكلاب. أخذت التوافقات الفاشلة من عمره خمسة عشر عاماً أخرى بعد الأعوام الثلاثين. تسربت من زمانه الجديد عشرات الأشهر بعد كل انتخاب.. انتظار مضن من أجل نهاية تشبه اللانهاية.. ثمانية أشهر بعد انتخابات العام 2010 بسبب مجلس السياسات الذي لم يعمل، ومثلها في العام 2014 بسبب الإصلاحات التي لم تحدث، وبعد كل توافق أو ترقيع أو ديكور طائفي يزداد الإرهاب ويموت الأمل ويندثر العمل، حتى جاءت الانتخابات الأخيرة، فسَحب العراقي نفساً طويلاً وقال هيا بنا مرة أخرى، فأما قاطع من شدة اليأس والإحباط، أو شارك من بقايا أمل في تغيير جدي لكي تتغير الوجوه.. وتتغير لعبتها الطائفية التي تقدم في كل مرة السيناريو الممل نفسه، فيدخل العراقي في النفق المظلم نفسه لأربع سنوات قادمة حتى يتبوأ مقعده في الجحيم المستمر لعشرين عاماً بعد ثلاثين عاماً خلت. سيكتمل من عمره نصف قرن من العذاب في نهاية هذه الدورة الانتخابية.. مرة باسم الديكتاتورية وتارة باسم الديموقراطية. ثم بعد ذلك يأتي البطران ويسأل العراقي ليش وجهك أصفر؟ كل مرض ما بيّه من درْد الأسمر؟ وهيا بنا هيا بنا.
شاهد أيضاً
النصف الآخر للقمر
ميسلون هادي القادم من المستقبل قد يرى أعمارنا قصيرة، وعقولنا صغيرة، لأنها انشغلت بالصور المتلاحقة …