نداء بايس

نداء باريس
ميسلون هادي
لا يتفاجأ المستمع وهو ينصت إلى برنامج بثته اذاعة مونت كارلو حول معهد العالم العربي في عيد تأسيسه العشرين، بالدور الذي يقوم به هذا المعهد في باريس من احتضان ونشر للثقافة العربية بمختلف فروعها، ومجالاتها الفنية والادبية والشعبية إذ أشار مديره السيد دومينيك بوديز في ذلك البرنامج إلى أن مليون زائر سنويا يؤمون المعهد للاطلاع على ما تعرضه قاعاته المختلفة من أفلام وكتب وندوات ولوحات تشكيلية كما يزور المكتبة «500» ألف زائر سنويا أغلبهم من طلبة الجامعات والثانويات الفرنسية.
لا يتفاجأ المستمع أيضاً أن يعرف، ومن خلال التقرير الذي رافق البرنامج، إن مثل هذا المعهد المهم والاستراتيجي يديره رجل شغل منصب عمدة طولوز لمدة ثمانية عشر عاما، كما أن له تاريخا طويلا مع العلاقات في العالم العربي، إذ عمل ردحا من الزمن في عاصمة الثقافة العربية بيروت مراسلا إبان الحرب الأهلية، وصحفيا متنقلا بين مختلف اذاعاتها وقنواتها الاعلامية.. ولكن ما يثير الاستغراب والمفاجأة هو ما أشار اليه السيد مدير المعهد والسادة المشاركون في الطاولةالمستديرة للبرنامج من توجيه نداء عاجل إلى الدول العربية لتمويل هذا المعهد الذي تتهدده أزمة مالية حقيقية حذر المشاركون في البرنامج أنها قد تمنع من مواصلة الدور الاستراتيجي الذي يلعبه هذا المعهد في مد الجسور الحضارية بين العرب واوروبا، وقد قال السيد بوديز بالحرف الواحد إنه من المحزن أن ينتهي آخر ما بقي من حضارة العرب في بلاد الغرب إذا ما ازداد عجز هذا الصرح عن تمويل نفسه، وفي هذه الحالة فلربما لن يتمكن أي رئيس فرنسي آخر، حسب قوله، من انشاء معهد مشابه في ظل تنامي التطرف والأفكار الايديولوجية التي تتشنج بين العرب والغرب.
وحسب تلك الطاولة المستديرة، التي استمعت اليها بطريق الصدفة، فإن مصادر تمويل هذا المعهد هي المداخيل المترتبةعن زيارة المكتبة وتأجير القاعات ومبيع البضائع والمنتوجات الشرقية، بالإضافة إلى ما تدفعه الحكومة الفرنسية وبعض شركاءالمؤسسة الواعين لدورها الاستراتيجي، وأهميتها للعرب أولا قبل أي طرف آخر. أي أن أهم الموارد لهذا المعهد تتأتى من الجمهور الذي يأتي لحضور النشاطات أو تعلم اللغة العربية فضلا عن تمويل بعض الدول العربية لتظاهرات ثقافية تعنى بها.
إن ما دفعني للاهتمام بهذه الندوة والكتابة عنها هو أن الكثير من رؤوس الأموال العربية تذهب لتمويل قنوات التسلية التي يشكل حضورها 78% من مساحة البث الفضائي العربي، حسب الاحصاءات المعتمدة، في حين لا يشكل الجانب الثقافي سوى 2,5% من هذا الفضاء الامر الذي يستدعي أكثر من وقفة وأكثر من نداء لضم أصوات المثقفين إلى صوت هذا الصرح الثقافي المهم الذي ما أحوجنا اليه في ظل انحسار التعايش، وتنامي القطيعة وما أدعانا إلى الاحتفاء به، والانفتاح عليه باستثمار يبني ولا يشتت ويجمع ولا يبدد.

جريدة الدستور الأردنية 2007

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

النصف الآخر للقمر

ميسلون هادي القادم من المستقبل قد يرى أعمارنا قصيرة، وعقولنا صغيرة، لأنها انشغلت بالصور المتلاحقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *