نحن والآخر
في الشعر العربي الحديث
د. نجم عبدالله كاظم
كلية الآداب – جامعة بغداد
مدخل
نحن والآخر
لعابد الجابري وجهة نظر حول تعامل العرب، في خطابهم، مع الآخر الغربي، تتلخص في أن هذا الخطاب قد انطلق في عصر النهضة. وهو في وجهة نظره هذه إنما يشخّص أساساً من أسس تعامل العرب مع هذا الآخر في العصر الحديث عموماً، كما يسجل التفاتة مهمة، إذ يقول: “إن التعامل نهضوياً، على صعيد الخطاب، مع النموذج الأوربي يتطلب السكوت على الجانب الاستعماري فيه، وهذا غير ممكن لأن الاستعمار الأوربي بالذات يعوق نهضتهم، بل يهدد وجودهم… وإذاً فلا بد من معارضته، بل لا بد من فضحه ومقاومته”([1]). وحين نتأمل هذه الرؤية الدقيقة لظاهرة تبدو وكأنها تسبق مجيء الغرب وتصاحبه، ثم تليه. وكأننا بالجابري، تعلّقاً بالخطاب العربي مع النموذج الأول تحديداً، يومئ إلى خطابين لا إزاء نموذج أوربي كما يُحدده، بل نماذج أوربية أو غربية. وهكذا، وكما تتعدد النماذج وربما تتوزع إلى اثنين أو رئيسين، كما سنرى، يتوزع الخاطب العربي بدوره إلى خطابات وربما إلى خطابين رئيسين. والواقع كان طبيعياً أن ينقسم تلقّي العربِ للآخر، الأوربي تحديداً، وثقافته، بعد حملة نابليون ووصول محمد علي إلى حكم مصر وما تلاهما من انفتاح مصري فشامي، ثم عربي شامل على العالم والغرب بمستويات عديدة، إلى هذين الخطابين الرئيسين، يلخص موقف الأول رفضاً للآخر، بينهما يلخص الثاني قبولاً له. وبين هذين كان هناك من يحاول أن يجتهد ويتفهم هذا وذاك وجوهر ثقافة الآخر، ليتبنّى نظرياً وعملياً موقفاً ثالثاً متوازناً. ولعل محمد عبده هو أبرز من فعل ذلك، وترك تأثيره في آخرين. “إن هاجس التوازن سيطر على كل اجتهادات الأستاذ محمد عبده وأثّر بشكل عميق في شخصيته. وقد وجد هذا الهاجس تعبيره في نظرته للآخر وللغرب. فمحمد عبده لا يجد أي حرج في الجمع بشكل متوازن بين أصول الثقافة العربية الإسلامية ومرجعيات المفكرين الأوربيين”. وهو ما سيتبناه بعده آخرون، مفكرون وكتّاب وأدباء، ولعل بعض شعراء أواخر الفرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عكسوا غير قليل من ذلك([2]). وهكذا رأى البعض “أن ثمة مواقف ثلاثة، اتخذها المفكرون العرب في ما سمي بعصر النهضة من العلاقة مع الغرب: موقف الإعجاب، وموقف التماهي، وموقف الممانعة والمقاومة الإيجابية. هذا إذا استثنينا موقفاً رابعاً هو موقف الرفض المطلق لكل ما هو غربي- وهو موقف القلة التي تقبع خارج التاريخ- مع أن هناك غالباً مسببات ومبررات ظرفية وتاريخية وطارئة له- لأن التقوقع على الذات ما كان ممكناً في يوم من الأيام، وهو اليوم أكثر استحالة. فإذا كانت غطرسة الغرب وعنجهيته وظلمه، مثلاً، سبباً لمقاومته والوقوف في وجه مشاريعه، فهي لا يجب أن تكون مبرراً لرفضه وإلغائه المطلقين: فـ”ما بيننا وبين أوربا لا يصح أن نسميه عداء، بل هو أقرب إلى ما يسمى تنازع البقاء” على حد قول (عبد الحميد الزهراوي). والمواقف المذكورة ليست متتالية زمنياً، بل كانت موجودة معاً دائماً، منذ الاتصالات الأولى مع هذا الغرب، مع غلبة لهذا التيار أو ذاك في كل مرة”([3]). والموقف الأول، موقف الإعجاب “يعود إلى الانتقائية التي مارسها المفكرون (الشرقيون)- دون إغفال للأسباب الموضوعية وما أكثرها بطبيعة الحال- وأكثر ما أثار الإعجاب، هذه القوة الجبارة، التي امتلكها الغرب من بعد ضعف”([4]). أما موقف التماهي مع الغرب فـ”هو الموقف الذي يدعو صراحة إلى الالتحاق بالحضارة الغربية، بصفتها حضارة كونية… فهذا التيار يدعو للالتحاق بالمشروع الغربي للحضارة دون قيد أو شرط”([5]). أما الموقف الثالث، المقاوم فإنه “يرى خير أوربا ويرى شرها، فيأخذ من خيرها، ويتجنب شرها ما استطاع”([6]). أما الموقف الرابع، الظرفي في الغالب، نعني موقف الرفض المطلق لكل ما هو غربي، فنظنه واضحاً.
إزاء تلك التقسيمات المختلفة جزئياً، ومن دون تجاوز لها ولكن مع عدم التسليم بها مسبقاً، وتعلقاً بحضور الآخر، ولا سيما الغربي، في الأدب العربي الحديث، وتحديداً هنا الشعر منه، نميل، في التعامل مع المواقف العربية من الآخر الغربي، إلى تمييز هيمنة الانقسام الصريح والضمني الذي يكاد يضع الخطاب العربي عموماً في خطابين رئيسين، كل منهما يطوي تحته موقفين من المواقف الأربعة السابقة، بل يكاد ينطوي على مجموعة من المواقف متدرجة في شدة الرفض للغرب أو الحماسة له. أحدهما ينطلق من النظر إليه بوصفه مستعمراً دخيلاً، أو عدواً، أو عنصرياً أحياناً. وثانيهما يفترض أنْ لا سكوت على الاستعمار بل تجاوزه وقتياً أو جزئياً، لينطلق من النظر إلى الغرب بوصفه متطوراً ومتفوقاً وساحراً أو مبهراً أحيانا. وهكذا فالشعر العرب الحديث، بوصفه أحد أشكال الخطاب العربي، لم يكن ليبتعد عن هاتين الصورتين، إذ تمثلتا في حضور الآخر فيه، كما سنتبين فيما سيأتي.
المبحث الأول
صورة الآخر العدو
مع أن بروز الآخر الغربي عدواً قد بدأ يتمثل في الشعر، كما صار صريحاً وواضحاً فعلاً في الخطاب العربي عموماً، بعد الحرب العالمية الثانية ونكبة فلسطين، فإن هذا الآخر قد تمثل في هذا الخطاب سلبياً، وإن بغير هيمنة، ولا نريد أن نقول عدواً تماماً، من بداية اللقاء بين الشرق أو العرب والغرب. لقد تمثل الغرب مستعمراً، في الواقع وفي الخطاب العربي، مبكراً وعلى أكثر من مستوى، واستمر ذلك طويلاً، بل لعلنا نستطيع أن نقول هو لا يزال في صورة المستعمر في بعض تمثّلاته تلك، وإن لم تكن مرة أخرى مهيمنة، وهو ما عكسه الشعر، كما عكسته أشكال أخرى من الخطاب العربي. وفي الكثير من هذه التمثّلات، شعرياً بشكل خاص، تأتي صورة المستعمر واضحة في سياق واقعةٍ أو حدث استعماري أو ثوري للتخلّص من الاستعمار يتوقف عنده النص. وتأمل الشعر العربي الحديث على امتداد القرن العشرين يكشف لنا الكثير من القصائد التي تمثلت ذلك. واحدة من التي تفرض نفسها هنا قصديدة أحمد شوقي الشهيرة في “نكبة دمشق”، إذ قالها الشاعر بعد قصف الأسطول الفرنسي سوريا في عام 1925، لتشتعل الثورة على الاحتلال الفرنسي، ومطلعها:
سلامٌ من صبا (بردى) أرقٌّ ودمعٌ لا يُكفكفُ يا دمشقُ
وفيها يقول:
سلي من راعَ غيدَكِ بعد وهنٍ أبيْنَ فؤادِهِ والصخـر فرْقُ
وللمستعمريـن وإنْ ألانـوا قلوبٌ كالحجـارة لا تـرقُّ
رماكِ بطيشه ورمى (فرنسا) أخو حربٍ به صلفٌ وحُمق
إذا ما جـاءهُ طلاّبُ حـقٍّ يقول عصابةٌ خرجوا وشقُّوا
دمُ الثوّار تعرفهـُ (فرنسا) وتعلمُ أنه نـورٌ وحـقُّ ([7])
والحقيقة أن مثل هذا الموقف والتعبير عنه شعرياً لم يكن جديداً حينها في الشعر العربي الحديث عموماً، وفي تجربة شوقي الشعرية نفسها. فهو نفسه قال، في الغرب عموماً، قبل ذلك بسنوات غير قليلة:
أماناً أماناً لجة الروم للورى لو أن أماناً عند إماء يُطلبُ([8])
وما يؤكد هذا التوجه شعرياً، وبمبرر مقنع تماماً، قول حافظ في زمن مقارب:
لا تقرب (التاميز) واحذرْ ودَّه مهما بدا لك أنه معسول([9])
إن حضور الآخر الغربي، ولا سيما أوربا الغربية وأمريكا، في الأدب العربي عدواً أو غير صديق على الأقل، أمر يتواءم مع الواقع أولاً، إذ ارتبطت معرفة العرب له بوصفه مستعمراً كما قدمنا، وإنْ رافقته معرفة بوصوفات أخرى. وهو يتواءم ثانياً مع المعتقد والميل لدى الغالبية العظمى من الأدباء، كما هو مع الغالبية العظمى من العرب عموماً، حين مثل ذلك الغربُ العالمَ الرأسمالي مقابل العالم الاشتراكي أيام الحرب الباردة وحين صار لليسار الثوري مده الطاغي تقريباً، خصوصاً خلال فترة الخمسينيات- السبعينيات. فقد انقسم العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، انقساماً حاسماً بين الشرق والغرب، وبين المعسكر الشرقي الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي، وبين ما نُظر إليه على أنه المستعمِر أو المستغِل المتمثل في أمريكا بشكل خاص إلى جانب بعض بلدان أوربا الغربية، وما نُظر إليه على أنه المستعمَر أو المستغَل المتمثل في بلدان العالم الثالث ومن ورائه غالباً المعسكر الاشتراكي. في ظل هذا، صار طبيعياً أن ينظر العرب عموماً، بمن فيهم شعراؤهم، إلى كل انتفاضة بوجه نظام وكل مواجهة من شعب صغير وكل حركة تمرد في العالم الثالث على أنها ثورة بوجه ظلم وفعل إمبريالي، وإلى كل احتلال من أمريكا أو دولة غربية وكل تصادم غربي مع بلد من بلدان العالم الثالث على أنه الظلم. وربما ذهبوا أبعد من ذلك حين كانوا ينظرون إلى كل ما يمتّ إلى أمريكا والغرب على أنه يمثل الظلم العدوان والاستعمار والإمبريالية. ومن هنا يأتي الموقف العدائي للشاعر تجاه متعلقات الغرب لترتسم بصور سلبية. ففي مدينة نيويورك، التي عادةً ما تُمثّل أو ترمز، كما واشنطن بالطبع، إلى أمريكا وعدوان أمريكا على الشعوب، يقول محمد الفيتوري:
نيويوركُ ملء عروقي كآبه
وعيناك فوق ثراك سحابه
ولستِ بلادي
ولا قلبُك المتحجر قلبي
ولا أنتِ في وهج الشعر دربي
**
نيويوركُ يا غابةَ الموت
ملعونة كيف أنت
فهذا الذي لطخته
جبينك..([10])
وفيها يقول أدونيس أيضاً:
نيويورك
حضارةٌ بأربعة أرجل، كل جهة قتلٌ وطريقٌ إلى القتل…
…
نيويوك
جسد بلون الإسفلت
نيويورك– هارلم
…
كسلٌ يشبهُ العمل، عملٌ يشبه الكسل. القلوب محشوةٌ اسفنجاً والأيدي منفوخة قصبا.
نيويورك-
شبح ميدوزي يرتفع بين الكتف والكتف. سوق العبيد من كل جنس. بشر يحيون كالنباتات في الحدائق الزجاجية([11])
وهو نفسه يخرج عن حدود الكلام عن نيويورك للكلام عن أمريكا من خلا لأمريكا ليقول، ضمن أجمل أشعاره وأبلغها تعبيراً عما نتكلم عنه:
أنا أيضاً أُحبّ الجينزَ والجازَ وجزيرةَ الكنز
وببغاءَ جون سيلفر ونوافذَ نيو أورليانز
أحب مارك توين ومراكبَ المسيسبي وكلابَ إبراهام لنكولن
أحب حقولَ القمحِ والذرةِ ورائحةَ التبغِ الفرجيني
لكني لست بأمريكي أيكفي أنني لست بأمريكي حتى
يعيدني طيار الفانتوم إلى العصر الحجري؟ ([12])
ولا تقتصر صورة الآخر السلبية على أن يكون عدواً تماماً، أو صريحاً في عدوانيته، بل قد يكون، هو ذاته أو في بعض متعلقاته الاجتماعية والحضارية والدينية، دخيلاً وغريباً عن البيئة والمجتمع، خصوصاً بعد تبلور ما يُسمى بصراع الحضارات في العقود الأخيرة، مما يدفع الشاعر لا إلى مهاجمته أو استهجانه هو ذاته فقط بالضرورة، بل مهاجمة من يتشبه به أو يقلده أو يأخذ منه أو يرتبط به بشكل أو بآخر أيضاً. وحين يستهدف الشاعر، أو الشعر، هكذا أناس متشبهين بالآخر، فإن القول فيهم كثيراً ما يأتي بأسلوب ساخر، كما عرفنا ذلك في غير الشعر، في ميادين الاجتماع والثقافة والفن باختلاف أشكاله. وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا، أكثر ما ينعكس، في شعر الشعراء ذوي الأساليب الساخرة، ولكن ذوي المواقف أيضاً. من هؤلاء مثلاً الشاعر الأردني الكبير عرار (مصطفى وهبي التل) الذي مثل هذه الفئة في الكثير من شعره، فمن ذلك أبيات حملت عنوان “ما روما؟”، يقدم لها بالقول:
“كان شعار بطاقات معايدتهم في أعياد سابقة قولهم للرجل الشريف الحر، في أيام السلم، أن يسلك الطريق الذي يختار، وأن يجهر بالرأي الذي يرى أنه الأصوب. أما في زمن الحرب، فالرجل الشريف الحر إنما هو ذاك الذي يرى بعين حكومته، ويسمع بأُذنها، وينطق بلسانها، وإنما استنّ واشترعَ لتَحُدَّ نصوصه من نفاق المنافقين، ورياء المرائين، الذين يضمرون غير ما يظهرون ويجرون وراء منافعهم الذاتية، وأغراضهم الخاصة”. أما الأبيات فيقول فيها:
فإنْ قيلَ: ما “روما”؟ أجابوا بأنها: مدينةُ “قحطان بن يعربَ يشجبا”
و”برلين” فيها العزُّ والرزُّ والهدى إذا لم ينوّلْنَّ “تشرشـل” منصبـا
ومن هو(…) وابن أبي الهدى وإنْ صعدا في المكرمات وصوّبا([13])
وما كان لانقسام العالم إلى عالمين شرقي وغربي، أو اشتراكي ورأسمالي، أو أمريكي وسوفييتي، والحرب الباردة التي هيمنت، في ظله، على العلاقات بينهما، إلا أن يفرض نفسه على العرب ومنهم الأدباء، إنسانياً أحياناً وعقائدياً أحياناً أخرى. وكثيراً ما جاء ذلك عقائدياً إنسانياً أحياناً ثالثة، خصوصاً في ظل ما عُرف من حروب كان المتهم الرئيس فيها أمريكا وحلفاءها، وأشهرها حرب فيتنام التي عُرف أن الأمريكان قد خرقوا فيها جميع القوانين والأعراف الإنسانية والدولية، وكما كانوا قد فعلوا ذلك، الذي ربما لا يعرفه الكثيرون، في بلدان كثيرة أخرى من قبل، لنجد أن الغرب إذ يفعل ما يفعله، يتشدق، على الأقل من منظور العرب، بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية. في ظل ذلك الجو وتلك القيم، تأتي قصائد بعض الشعراء العرب. فهذا بلند الحيدري يقول:
ماذا في الصحف اليوم
نيكسون يخطب في المجلس
عن خير للدنيا وسلام
ماذا…
تصريح للبابا بولس
عن خير للدنيا وسلام
والدنيا في صحف اليوم
تتحدث عن خير وسلام
عن قرص للنوم
للقتلى في فيتنام
للقتلى في بيت القدس([14])
وقد يتخطى الشاعر كل تلك المستويات والحدود، ليعلن صراحة عن أنْ لا خيار مع الآخر إلا المواجهة والصدام في أكثر أشكاله عنفاً، القتال والحرب. فهذا الشاعر سامي مهدي، وإزاء ما يراه من عدوان يأتيه من الآخر، وفي ظل حرب معه، لا يجد بداًّ من القول:
هكذا هي الحياة!
أو هكذا يريدها الأعداء!
فقاتلْ قبل أن تُقتل
واحمل أضاحيك وسر في المقدمة([15])
فإذا كان لانقضاء مرحلة الحرب الباردة أن تزيل الكثير من مظاهر العداء والتوتر والتقاطع بين الشرق والغرب عموماً، فإن مبررات مثل هذه المظاهر، ولا سيما بين العرب وأمريكا، بقيت موجودة، بل أحياناً متصاعدة، ليكون طبيعياً أن يعبر بعض أشكال الخطاب الثقافي العربي عن مواقف العداء أو الرفض أو على الأقل الاستهجان، وفي كل الأحوال عن فهم ورؤية، لنقل عربيين خاصّين، لأمريكا. وعليه فإن رؤية أدونيس لأمريكا ممثَّلةً في (نيويورك)، في قصيدته المشهورة عنها، إنما هي رؤية جيل. يقول في مقطع منها:
نيويورك
حضارة بأربعة أرجل، كل جهة قتل وطريق إلى القتل …
…
نيويورك-
شبح ميدوزي يرتفع بين الكتف والكتف. سوق العبيد من كل جنس. بشر
يحيون كالنباتات في الحدائق الزجاجية([16]) .
وقد لا تختلف رؤى شعراء كثيرين آخرين عن هذه الرؤية، مثل سعدي يوسف، الذي يقول في قصيدة له:
يا ربّ، احفظ أميركا
موطني، موطني اللذيذ..
God save America
My home, sweet home!
…
فالفتى العراقي الذي احتلَّ صفحتها الأولى
كان متفحماً وراء مقود الشاحنة
على طريق الكويت- صفوان
بينما أجهزة التلفزيون: غنيمةُ المهزوم وهويّته
كانت سليمة في الشاحنة، كأنها في واجهة مخزن
بشارع ريفولي.
القنبلة النيوترونية ذكيةٌ جداً
إنها تميّز بين (هو) و(هويّة).
يا ربّ، احفظْ أميركا
موطني، موطني اللذيذ..
God save America
My home, sweet home!
BLUSE([17])
وضمن أعمق استحضارات الآخر، الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً، بصورته السلبية، ذلك الذي يتجسد بحسية مؤثرة في العمق، وفي بعد الدلالة واختفاء المباشرة، تعلقاً بعلاقته بنا نحن العرب، في قصيدة محمود درويش “خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة أمام الرجل الأبيض”. وفيها يوغل درويش في محاولة فهم الجذور والطبيعة وصولاً إلى وضع الإصبع على بعض المسببات التي توصل العلاقة ما بيننا نحن، وإلى حد بعيد آخرين، وبين الغرب، وتحديداً هنا أمريكا، إلى ما هي عليه. يقول درويش في هذه القصيدة:
لن يفهم السيد الأبيض الكلمات العتيقهْ
هنا، في النفوس الطليقة بين السماء وبين الشجر..
فمن حق كولومبوس الحر أن يجد الهند في أي بحر،
ومن حقه أن يسمي أشباحنا فلفلا أو هنودا،
وفي وسعه أن يكسر بوصلة البحر كي تستقيم
وأخطاء ريح الشمال، ولكنه لا يصدق أنّ البشر
سواسية كالهواء وكالماء خارج مملكة الخارطة!
وأنهم يولدون كما تولد الناس في برشلونة، لكنهم يعبدون
إله الطبيعة في كل شيءٍ.. ولا يعبدون الذهبْ..
وكولمبوس الحر يبحث عن كلمة ما يجدها هنا،
وعن ذهب في جماجم أجدادنا الطيبين، وكان له
ما يريد من الحي والمَيْتِ فينا. إذاً
لماذا يوصل حرب الإبادة، من قبره، للنهاية؟([18])
فباعتقادنا أن قراءة أبيات درويش، أم هل نقول خطاب الهندي الأحمر؟، تنسينا سريعاً أننا (نحن) والهندي الأحمر (آخر)، حين نتماهى من خلالها مع هذا الهندي، لنكون في بوتقة واحدة تطرح الإحساس الإنساني الموحَّد والناقل للقضية والمعاناة ولجدل صاحب الحق المستلب أياً كان، الهندي الأحمر أم الصوت النابع من أعماق الشاعر بمن يمثلهم، وهل هو إلا شعبه وأمته؟
المبحث الثاني
صورة الآخر الصديق
قلنا سابقاً إن هناك من ميز، ضمن مواقف العرب وخطاباتهم الإيجابية تجاه الغرب، في عصر النهضة وبعده، قسمين نراهما متقاربين جداً فضلنا معه أن ننظر إليهما على أنهما واحد، هما موقف الإعجاب بالغرب، وموقف التماهي به. فإذ يعبر الأول عن الإعجاب بما عليه الغرب، أو على الأقل بالكثير مما لديه، تعلقاً بالجمال والتطور والتقدم الحضاري تحديداً، فإن الثاني “يدعو صراحة إلى الالتحاق بالحضارة الغربية- بصفتها حضارة كونية”([19]). من أوائل المفكرين العرب الذين عبروا عن ذلك بدون تردد أو مواربة سلامة موسى الذي قال مرة: “إذا كانت الشمس تشرق من الشرق، فإن النور يأتينا من الغرب”([20]). شعرياً، لعل جميل صدقي الزهاوي لم يختلف موقفاً، عن موقف موسى، انطلاقاً من إيمان وقناعة ما عرفناها اهتزت قط، إلى حد أنه تبنّى بعض القيم والأفكار والمواقف الغربية التي اصطدمت بالدين أو المعتقد أو العرف، ونظن أن تبنّي مثل هذه المواقف معروفة جداً عنه. ولذا، إذا كان الكثير جداً من الشعراء قد تمثّلوا جمال الغرب بيئةً ومدناً وحياةً، فقد كان من الطبيعي أن يتمثّل الزهاوي هذا الغرب مرغوباً فيه، من زاوية أنه لواء التكنولوجيا والتقدم والتحديث والفكر الحر، إلى جانب القوة. من ذلك قوله:
الغربُ مركبُهُ البخـا ر أو الهواءُ أو الأثيـرُ
وركوبة الشرق الهجـا ينُ أو الحمارُ أو البعيرُ([21])
وقوله:
الأقويـاءُ بكلِّ أرضٍ قد قضوا ألا تُرَاعَى للضعيـفِ حقـوقُ
إن الشعوبَ لتستحقُّ تساوياً لولا اختلافٌ بينهما وفروقُ([22])
ولكن غالباً ما يختلف جل الشعراء، في إعجابهم بالغرب، عن الزهاوي، فيكونون انتقائيين في تعاملهم مع وجوه الحضارة الغربية وعطاءاتها، خصوصاً حين خصوصاً حين يتعلق ذلك بالوجوه والعطاءات الثقافية، معبّرين عن فهم أنضج وتعامل أنضج مع هذا الغرب. ففي واحد من جميل الحضور الثقافي ينطلق الشاعر البحريني إبراهيم العريض، في قصيدة “من مشاهد المسرح.. قلب راقصة”، من تجربة واضح أنه عاشها وانبهر فيها بما رأى، وتحديداً على المسرح في زمن الانفتاح الثقافي على الغرب، مرحلة ما بين الحربين. فتمثّل الغرب، عند الشاعر وفي منظوره وقصيدته، ثقافةً وفنّاً قبل أي شيء آخر، حين يصير الليل في القاعة شمساً وتصير حياة التمثيل المبهرة حياةً، مع كل ما يمكن أن يكون لذلك من دلالات أبعد، وهو ما يفصح عنه مطلعها قبل متنها كاملاً، حين يقول الشاعر:
في مسرحٍ للغربِ حيثُ الشمسُ تشرقُ في الليالي
ورواقه كالموجِ يزخر بالنساءِ وبالرجالِ
يتضاحكون.. فلا ترى إلا الكواكبَ في اشتعال
والبنت يجذبها فتاها.. فهي تخطر باختيال
طوراً هنا.. طوراً هناك.. كلّ ركن فيهِ خال
والكل منهم مشرقُ الوجناتِ محبوبُ المثالِ([23])
وإذا ما تجاوزنا الشعر الذي عبّر عن إعجاب وانبهار بالغرب من النواحي الحضارية والعمرانية والثقافية، كما رأينا في بعض نماذجه فيما سبق، وغيرُها كثيرٌ جداً بالطبع، فإن النظرة إلى الآخر عموماً قد تتمثل في الشعر، وكما نظنها على أرض الواقع، من خلال الانتماء الإنساني الذي يجمع الجميع. وهذا ولّد لدى الإنسان العربي، ممثّلاً هنا بالشاعر، الإحساس بالحاجة إلى العلاقة به بل إلى صداقته، كما تعبر عن ذلك بشكل مبكر نازك الملائكة في قصيدتها “لنكن أصدقاء”، وإن قصدت كل الآخر، وليس الغرب تحديداً، فتقول بنفس شاعري إنساني متشوق إلى الوصل وليس القطع وإلى أن نكون معاً بدلاً من العزل والانعزال، وهل أفضل من الصداقة (الإنسانية) وسيلة لذلك؟:
فلنكنْ أصدقاء
من بعيد
صوتُ عصف الرياح الشديد
ناقلاً ألفَ صوتٍ مديد
…
وصدى (هياواثا) هناك
مثقّلاً بأنين الجياع
بأسى المصطلين لظى الحمى
بالذين يموتون دون وداع
دون أن يعرفوا أماً
دونما آباء
دونما أصدقاء([24])
والواقع أن علاقة الصداقة تتمثل أكثر من خلال المعتقد السياسي، ولكنها هنا تقصر عن المدى التي ذهبت إليه نازك لتستهدف فئات أو أقواماً أكثر منها الناس كلهم، خصوصاً قبل انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي وانتهاء الحرب الباردة. ولذا فإن أكثر من مثّلوا هذه النظرة هم شعراء اليسار، وتحديداً تجاه اليسار العالمي والعالم الاشتراكي والثورة العالمية.. إلخ. وهكذا حين يتعلق الأمر بالنظرة إلى الآخر الغربي، فإن مثل صورة الصديق هذه تغلب على صورة العدو، لأنها في الغالب تأتي في أشعار هؤلاء الشعراء أنفسهم غالباً، وحين يكون الآخر الغربي مرتبطاً باليسار، كما يعكس ذلك قول البياتي:
وصرختُ أني لست يا موسكو وحيد
ما دام قلبكِ يحتويني
ما دمتُ أشعر بالربيع
يختال في ساحاتك البيضاء
كالطفل الرضيع([25])
وبحضور إنساني، من خلال التجربة الفردية، ولكن مع ما يلتقي فيه الـ(أنا) أو الـ(نحن) مع الآخر من تجربة إنسانية ومع امتزاج ضمني مع بُعدٍ آيديولوجي، يقول أمل دنقل، من قصيدة “ماريا”:
-ماذا يا ماريا؟
-الناس هنا كالناس هناك في اليونان
…
ما دمت جوارَكِ يا ماريا لن أتجهّم
حتى لو كنت الآن شباباً كان
فأنا مثلَك كنتُ صغيراً
أرفع عيني نحو الشمس كثيراً
لكني منذ هجرت بلادي
والأشواقُ
تمضغني، وعرفتُ الإطراق
مثلك منذ هجرتِ بلادك
وأنا أشتاق
أن أرجع يوماً ما للشمس
أن يورق في جدبي فيضان الأمس([26])
المبحث الثالث
تأثير الآخر في الشعر العربي الحديث
حين تكون العلاقة بالآخر كما تتمثل في الشعر العربي الحديث، على مستويات مختلفة، كما رأينا بعضها، فلعل قمة إيجابيتها تنعكس في تأثير لا بد من أن يمارسه الآخر في العربي، شاعراً وغير شاعر. فكيف كان هذا التأثير وأنماطه في الشاعر وشعره تحديداً، موضوع ورقتنا؟ قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال، نجد من الضروري أن نبين أن بحثنا في تأثر الشعر العربي الحديث يتعدى، في دراستنا، ما اعتادت البحث فيه عموم الدراسات التطبيقية المقارنة، نعني التأثيرات النصية، وبقاءها ضمن إطار الفن والأدب. فبحكم عنايتنا بتتبع حضور الآخر/الغربي، في كل أشكاله، وليس في أدبه وفنه، وفي مدى ما يعبر عنه من رؤى تجاهه وتجاه الموقف من العلاقة به، في الشعر العربي الحديث، فقد صار لزاماً علينا البحث في تأثيرات أشكال هذا الآخر جميعاً ما دامت قد حضرت في الشعر الذي ندرسه، وليس تأثيرات التشكّلات الثقافية (الفنية والأدبية) فقط، وإن كان التركيز سيبقى بالطبع على هذه التأثيرات الأخيرة بحكم تأثر الشاعر العربي افتراضاً بها أكثر من غيرها، ولعل ما سيأتي بعدها حجماً وعمقاً التأثيرات الفكرية والآيديولوجية، ثم الأخرى. وهكذا سنلقي الضوء على التأثير الفنية أولاً، ثم الفكرية والأيديولوجية ثانياً، مع الإشارة إلى أننا سنحاول التقليل من تفاصيل ذلك، لسعته وانفراده في أن يكون موضوعاً مستقلاً يخرج، في تفصيلاته، عن خطة دراستنا وأهدافها، ويجعله موضوعاً لدراسة مستقلة.
المعروف أن التعرف الأول لأدباء العرب في العصر الحديث على الآداب الأوربية، والذي حدث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كما رأينا، لم يقد إلى تأثر واضح بشعر تلك الآداب بالرغم مما أثاره فيهم من إعجاب وانبهار. أما سبب ذلك فهو أن إحساساً قومياً ووطنياً وربما دينياً كان قد نبع، في الوقت نفسه، في دواخل هؤلاء الذين كانوا من المتوقع أن يتأثروا به، كما هو حال شعراء الإحياء ولا سيما البارودي. في الواقع أن هذا الإحساس زرع في نفوس هؤلاء الشعراء ما يشبه التمنّع أو الحصانة مما فهموا أنه سيكون انقياداً للآخر الأجنبي، بالرغم مما اقتنعوا به من ضرورة تجاوز الشعر السائد. فكان توجههم، في سبيل تحقيق هذا التجاوز، كما نعرف، نحو الشعر العربي القديم المتميز بدلاً من محاكاة الأجنبي المتميز. لكننا بدأنا بعد ذلك نرى لدى شعراء ومدارس وتيارات شعرية عديدة تأثراً متصاعداً بالشعر العالمي وتحديداً الأوربي، وكانت في البداية عبر العموميات غالباً. ويمكن رصد ذلك في المدارس والتيارات الشعرية اللاحقة، بدءاً بشعراء الديوان والمهجر وأبوللو. ولكن الشعر الذي كان أكثر تأثراً وأنضج استيعاباً لهذه التأثر هو الشعر الحر بكل شعرائه.
إن المتتبع لحركة الشعر الحر يتلمّس تأثُّرَه، في انطلاقته وتطوره، واضحاً وكبيراً بالشعر العالمي ولا سيما الإنكليزي، وإلى حد ما الأمريكي. وهذا ما ينطبق، إلى حد كبير، على كل شعراء هذه الحركة تقريباً، بدءاً بشعراء الريادة بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور، ومروراً بالشعراء الذين عززوا تلك الريادة مثل بلند الحيدري وعبد الوهاب البياتي وجبرا إبراهيم جبرا ومحمد الماغوط ويوسف الخال ولويس عوض ونزار قباني وأدونيس وغيرهم، وانتهاءً بشعراء الأجيال التالية أحمد عبد المعطي حجازي وعبد الرزاق عبد الواحد ويوسف الصائغ وسعدي يوسف ومحمود درويش وسميح القاسم وحسب الشيخ جعفر وغيرهم. ويبقى التأثير الغربي الأكثر حجماً وبروزاً ووضوحاً هو ذلك الذي تلقّاه شعراء الريادة ومن تلاهم، السياب ونازك وعبد الصبور وبلند والبياتي. وكان ذلك طبيعياً ونحن نعرف أن العامل الأكثر فاعلية، ضمن العوامل التي أدت إلى انطلاق حركة الشعر الحر التجديدية، كان اطلاع رواده على الآداب الأجنبية وخصوصاً الشعر منها وتأثرهم بها طبيعةً وفناً ومنجزاً قبل تأثر أشعارهم. وكانت بواكير تأثير الشعر الإنكليزي في أوائل الشعراء المعاصرين المجددين، على رأي عبد الواحد لؤلؤة، “تتخذ شكل الترجمة المباشرة، ونستطيع تلمس بعض آثاره وأصدائه منتشرة في بعض الصور الشعرية المستقاة من بعض شعراء القرن التاسع عشر الإنكليز”([27]). وإذا لم يكن أثر الشعر الإنكليزي في الجانب الشكلي والفني في الشعر العربي المعاصر مرصوداً وفاعلاً في البداية، فإن مثل هذا الأثر في المضمون، وضمن ذلك في مرجعياته الأسطورية مثلاً، كان واضحاً حتى في تلك البداية، كما يبدو ذلك فعلاً في شعر السياب، ولا سيما من خلال تي إس إليوت، كما في قوله من إحدى قصائده:
الليلُ يُطبق مرةً أخرى، فتشربه المدينه
والعابرون إلى القرارة.. مثل أغنية حزينه
وتفتحّت، كأزاهر الدفلى، مصابيحُ الطريق،
كعيون (ميدوزا) تُحجّر كلَّ قلبٍ بالضغينه،
وكأنها نذرٌ تبشّرُ أهلَ (بابلَ) بالحريق([28])
فنحن هنا “نجد بدراً يفرغ مخزونه من شعر إليوت، وبخاصة في استعماله التضمين، والإفراط في الرمز واستعماله الأسطورة”([29]).
وعلى أية حال لم يتوقف الأمر عند هذه الحدود، بل سرعان ما تعمقت التأثيرات، كما لم يتوقف حجمها وعمقها وفاعليتها ووضوحها على الموضوع، بل تعداه إلى الصناعة الشعرية. فكان هناك، إضافة إلى الأسطورة، الرمز وتوظيف التاريخ والتراث، والغموض، والتركيب الموسيقي ذو التناغم لا رتابة اللحن الواحد، ورسم الصور الشعرية الجديدة، واعتماد التجريد الفكري والتركيب بدل هيمنة الغنائية والمباشرة، والتكرار الموحي، والمفارقات الدرامية، والمنلوغ، واستخدام المفردات الدارجة، ونظام المقاطع، ووحدة القصيدة العضوية.. إلخ. هذه التأثيرات أصابت، إضافة إلى السياب ونازك، جل شعراء الحركة، خصوصاً حين تعدت حدود الموضوع، كما قلنا، مثل صلاح عبد الصبور، وجبرا إبراهيم جبرا، وتوفيق صايغ، ولويس عوض، وغيرهم. فهذا صلاح عبد الصبور يتأثر بشغف، ولكن بوعي بالشعر الإنكليزي، ونضج في الشاعرية وفي استيعاب التأثير فيه، بإليوت وبالكثير من الشعر الإنكليزي عموماً. و”يشير صلاح نفسه إلى قصائده التي تأثر فيها بإليوت و(جسارته اللغوية) وأبرزها (شنق زهران) و(والملك)، و(الحزن) من مجموعته الأولى”([30])، وغيرها من مجاميعه الأخرى. فمن قصائده المتأثرة، قوله من قصيدة “الشيء الحزين” من مجموعته الثالثة:
لعله الندم
فأنت لو دفنت جثةً بأرض
لأورقتْ جذورُها وأينعتْ ثمار
ثقيلة القدم..([31])
“وهذه أصداء واضحة في الأبيات الأخيرة من المقطع الأول من (الأرض الخراب)”([32])، كما يرصد لؤلؤة.
وكما قلنا، فإن للمتأمل لشعر السياب تحديداً أن يضع اليد بسهولة على جوانب تأثير الشعراء الإنكليز، مثل ت. س. إليوت، وإيديث سيتويل، بعد أن عرفهما خلال مرحلة الدراسة في الكلية([33]). فقد كان يقرأ خلالها أشهر نماذج الشعر الإنكليزي، وكان يستمد صوته ومزاياه الشعرية من شعر سيتويل في قصائدها الشديدة الحسية عن الحرب وإقحامها الأسطورة والمناخ الشعري والمنلوغي، والتقمص والاستبطان، فيما وظف الكثير مما وجده في شعر إليوت من أفكار وتقنيات، كما فعل مع قصيدة إليوت “الأرض اليباب”، التي تأثر بها في قصيدته “رؤيا فوكاي”.
و”تشكل النماذج الأجنبية التي اطلَّع عليها الشعراء الشباب مصدراً… من المصادر التي أغنت لغة قصائدهم، سواء ما قرؤوه منها بلغة أجنبية أو مترجماً إلى اللغة العربية. وإنه لمن المنطقي التفكير بأن هؤلاء الشعراء الذين أُعجبوا ببعض قصائد ناظم حكمت وأراغون وإيلوار ونيرودا ولوركا وتي. إس. إليوت وكيتس وشيلي وستيفن سبندر وايديث سيتويل، لا بد أن يكونوا قد تأثروا إلى هذا الحد أو ذاك بلغة هؤلاء الشعراء([34]). فمن هؤلاء الشعراء العرب الشباب الذين وجد عبد الواحد لؤلؤة تأثرهم بالشعر الإنكليزي كمال أبو ديب، بعد اطلاعه على ذلك الشعر خلال دراسته في أوكسفورد، كما في قوله:
انتخبُ الوردةَ وأبني عليها مملكتي
أفتح كوى في السنبلة وأطلُّ منها على الموت
وأقرأ الراياتِ المسافرةَ في غيمةٍ فوق حدودي
أخلق اللغة بالصمت([35])
ولعلنا أخيراً لا نكرر في حديثنا عن التأثير والتأثر، بدون فائدة، توضيح ما يأتي: أولاً، إن الحديث عن تجارب رواد حركة الشعر الحديث وعلاقتها بالأصول والمؤثرات الأجنبية تتخطى هذا الذي أشّرناه ليشمل كل ظواهر أشعارهم الموضوعية والفنية تقريباً. ثانياً، كما لا يقتصر هذا الحديث، في تفصيلاته ومحدداته وفي أشكال التأثير الأجنبي، على تجارب هؤلاء الرواد والذين تلوهم، بل هو يشمل بهذا القدر أو ذاك، وكما قلنا، تجارب جلّ شعراء الشعر الحر العرب. ثالثاً، ومن الطبيعي، في الجانب المقابل، أنْ لا تقتصر أصول المؤثرات على إليوت وسيتويل، بل يشمل شعراء غربيين آخرين، منهم: شكسبير، وبايرن، وباوند، وويتمن، وإميلي ديكسن، وأمبسون، وأودن.. وآخرون.
إذن، فالآخر، في حالةٍ، قد يحضر في الشعر دون أن يكون له تأثير فيه. وفي حالة ثانية قد يتحقق التأثير، وتحديداً حين يكون آيديولوجياً أو ثقافياً وفنياً، ولكن دون أن يحضر الآخر ذاته. وفي حالة ثالثة، قد يحضر الآخر ويكون له تأثير في الشعر الذي يحضر فيه فنياً أو موضوعياً أو فكرياً. ومن المهم التوقف قبل مغادرة موضوعة التأثير والتأثر، عند التأثر فكرياً وآيديولوجياً وثقافياً بالآخر، لأن ذلك لا بد أن يعني، بدرجة أو أخرى، الموقف من الآخر ومن قبوله أو عدم قبوله، وهو من أساسيات ما تستهدف ورقتنا الوصول إليه. وأول متأثر يرد في الأذهان في هذا المجال، بلا شك، جميل صدقي الزهاوي الذي عكس الكثير من شعره تأثره العميق بالغرب، وتحديداً علومه ومفاهيمه، وكما تعرضنا لبعض ذلك في مبحث سابق. أما شاعرٌ متأخرٌ كثيراً عن الزهاوي، مثل نزار قباني، فيتأثر ويستحضر ويتبنى الكثير مما قدمه الشعر الغربي الذي عرفه، لينعكس واضحاً، بل صريحاً، في العديد من قصائده. من ذلك ما تَمثَّلَه، من مسرحية بيكيت “بانتظار غودو” وفلسفتها، في قصيدته “بانتظار غودو” التي يقول فيها:
تعال يا غودو..
وخلِّصْنا من الطغاةش والطغيانْ..
فنحن محبوسون في محطةِ التاريخِ كالخرفانْ
تعال يا غودو.. وجففْ دمعَنا..
وانقذْ الإنسان من مخالبِ الإنسان..
تعال يا غودو..
فقد تخشبت أقدامنا انتظارْ
تعالَ يا غودو فإنَّ أرضَنا
ترفض أن تزورَها الأمطارْ([36])
خاتمة ونتيجة
رؤية الشاعر العربي الحديث إلى العلاقة بالآخر
وجود آخر غير الذات أو الـ(الأنا) أو (نحن)، من أي نوع كان يعني بالضرورة حضور الاتفاق والاختلاف معه. ولأن الآخر موجود في كل مكان وزمان ما دام البشر موجودين، فإن ذلك يعني بالضروة أن الاختلاف، كما الاتفاق موجود دائماً. وإذا ما كان الاتفاق، ظاهرياً على الأقل، الأساس فإنه ظاهرة لا تثير عادةً ميادين المعرفة المختلفة. أما الاخلاف فعلى العكس، إذ هو يثير الانتباه وقد يقلق ويستدعي التأمل والمراجعة وربما الدراسات والمعالجات في كثير من الأحيان. ومن هنا فإن الاختلاف ما بين الأمم، حتى بدون المواجهة والحرب، قد كان شاغلاً دائماً، بل هو قد صار موضوع العصر في جل هذه الميادين أو المعارف، بحيث كاد يصير فيها الأصل. إن الاختلاف لا يكاد يتنهي ضمن أية مجموعة أو مجاميع بشرية، مهما صغرت، كأفراد العائلة مثلاً، ومها كبرت كأي شعب من الشعوب. بتعبير آخر، من الطبيعي أن تختلف الأمم والشعوب، كما من الطبيعي أن يختلف الأفراد فيما بينهم، بل هو قبلاً سمة حياة به تسير وتتطور، وقلّ، ولكن ما انعدم بطبيعة الحال، من دعا صراحةً، في ضوء أي خلاف، إلى القطيعة وإلغاء التواصل. وتعلقاً بتعددية الأمم والشعوب والأقوام تتعدد الطبائع والأخلاق والآراء، وإن بشكل نسبي، ومع هذه التعددية تنفرز مواقفها ما بين قبول ما يراه الآخر أو ما عنده ورفضه، ثم ما بين قبول هذا الآخر نفسه والتحفّظ عليه ورفضه.. إلخ، ليقود ذلك كله إلى صياغة العلاقات فيما بين هذه الشعوب والأقوام. ولنعرف أين يقف العرب من جهة، وأين يقف الغرب، على اعتبار أنه أهم (آخر) للعرب في العصر الحديث، من جهة مقابلة، ضمن أشكال هذه المواقف من الآخر، يكون طبيعياً أن نرجع إلى تمثُّل بعض ذلك، وإن ليس بشكل مطلق تماماً، في دينهم، لنجد أنه “لم يكن (الآخر) في القرآن والسنة الصحيحة مشروعَ نفي أو حذف أو استعمار. [في المقابل] كان (الآخر) وما زال مشروع قهر واستبداد في فكر الغرب، وكان وما يزال مشروع استغلال واستعمار، وكان وما زال مشروع دراسة لاكتشاف خصائصِ العقليةِ المتخلفة”([37]). وهكذا يبرز العرب، إسلامياً، متقبلين للآخر معترفين بالتعددية بكل أشكالها النابعة من تعددية الشعوب والأقوام، بل من الإيمان بأن هذه التعددية إنما هي لصالح الناس، وعليه يجب أن تقوم العلاقات فيما بينهم، “يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا”([38]). والواقع أن القرآن إذ يؤسس بشكل واضح لتقبل الآخر، فإنه يؤسس أيضاً لتقبل الاختلاف بين المسلمين وغيرهم، كما فيما بين المسلمين أنفسهم. والآيات التي تؤيد على ذلك عديدة، منها مثلاً قوله تعالى: “وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقتْ من ربّك لقُضي بينهم فيما فيه يختلفون”([39])، وقوله: “ولقد آتينا موسى الكتاب فاختُلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقُضي بينهم وإنهم لفي شكّ منه مُريب”([40]). وكل ذلك يعني، كما قلنا، الوجود الطبيعي للاختلاف بين البشر، وضمناً تقبُّلَه.
على العكس من هذا الفكر والمنهج يقف بعض رموز الغرب، ولا سيما أمريكا خلال العقود الثلاثة الأخيرة التي تعبر في الكثير من المناسبات عن رؤيتها لنفسها كما لا ترى غيرها. وإذا لم نكن لنريد الإطالة هنا كونه، معبّراً عنه خارج الشعر العربي الحديث، ليس موضوعنا، فلنشر هنا إلى واقعة طريفة تعكس ذلك، من حيث أُريد لها أم لم يُرَد، بشكل فج. فكلنا يتذكر إعلان أمريكا، بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، ما تسمى الحرب العالمية على الإرهاب. ففي خطبة بوش الابن التي أعلن فيها تلك الحرب صدرت عنه إشارة طريفة ولكنها دالة، ويبدو كأن أحداً لم ينتبه إليها، أو على الأقل لم يتوقفوا عندها، تلك هي أنه، بدلاً من أن يأسف لإعلان حرب كما يجدر برئيس أي دولة ناهيك عن دولة عظمى، أشار إلى أنها أول حرب ستكون في القرن الحادي والعشرين. فهو إنما يعبر عن هذا الشغف بأن تكون أمريكا الأكبر والأقوى والأول، حتى لو كان ذلك في أقذر ما يقوم به البشر، نعني الحرب، مع ما استدعاه ذلك من معاداة أمريكا لكل من لا يقف معها في ما دخلت فيه. عموماً نظن واضحاً هنا الفرق بين أن نختلف مع الآخر وأن ننفيه أو نهيمن عليه. فالأول هو الطبيعي، بينما الثاني هو الدخيل على العلاقات الدولية والأممية، وهو ما نعتقد أن الكثير من مفكري العرب في العصر الحديث قد وعوه مبكراً. ولكن يجب الاعتراف بأنه قد كان هناك ايضاً من لم يقبلوا بالآخر ورفضوه، خصوصاً حين جاء وكأنه هو نفسه يرفض الآخر الذي هو هنا نحن العرب أو المسلمين أو الشرقيين، أو على الأقل جاء وهو لا ينظر إلينا على أننا أخر قرين، فكان قول كيبلينغ الشهير: “الغرب غرب، والشرق شرق، لا يلتقيان”. وإذا ما تم التعبير عن هذين النخبتين وموقفيهما من وجهات نظر اجتماعية وسياسية، بل دينية، فإن الأدب قد أدلى ولا يزال يدلو بدلوه بهذا الشكل أو ذاك، وبالطبع أن كل ما مر من دراستنا يقدم بعض هذا التعبير من خلال أحد فنون الأدب العربي، نعني الشعر.
وإذا ما مثل كل ما مر من حضور الآخر في الشعر صورة أو صورَ هذا الآخر كما يراها الشاعر العربي، وإلى حد لا يُستهان به بالطبع العرب عموماً، فإن تلك الصور إنما تُترجِم لنا، صراحةً أو ضمناً، مستويات علاقات هذا الشاعر العربي أو العرب بالآخر عموماً، وبالغربي خصوصاً، وضمناً رؤى هذا الشاعر والعرب إلى ما يجب أن تكون عليه هذه العلاقات. ولأنها تنطلق من وجهات نظر مختلفة وتتأثر بأزمان أصحابها الشعراء وظروفهم السياسية والاجتماعية والثقافية، فإن هذه العلاقات أو الرؤى، فقد توزعت على مواصفات ومستويات عدة، ولكنها المواصفات والمستويات التي تتقلص هنا كوننا حينى نتعامل مع الشعر العربي الحديث إنما نركز على المستويات المهيمنة. إن استقراء هذا الشعر، إذن، يكشف لنا عن المستويات الآتية من العلاقات بالآخر كما يراها الشعراء، ونفترض أنها، إلى حد بعيد، كما يراها العرب عموماً:
أولاً: علاقة صداقة وتكامل، كما يجدر بالأمم أن تعيش أصلاً. ولعل أوضح من تمثل هذا من الشعراء جميل صدقي الزهاوي، وحافظ إبراهيم، وأحمد شوقي، ونازك الملائكة، وإبراهيم العريض.
ثانياً: علاقة ندية مع تحفظ على الاندفاع نحو الآخر. وأهم من تمثّل هذا بدر شاكر السياب، وعرار، وعبد الوهاب البياتي.
ثالثاً: علاقة عدائية أو تصادمية، ومن أبرز ممثليها شعرياً عبد الرزاق عبد الواحد، وأدونيس، وسعدي يوسف، ومحمود درويش، وسامي مهدي.
يبقى من المهم أن نشير أخيراً إلى أن الكثير من هذه العلاقات أو رؤاها إنما ترتبط، في تمثّل الشعراء لها أو التعبير عنها، بوقائع وظروف وجماعات ومعتقدات، ومن النادر أن تكون مطلقة، وكما نظن أننا أشرنا إلى ذلك ضمناً، وهو ما يمثل برأينا الواقع الطبيعي للأمم وعلاقاتها ببعض.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم
إبراهيم العريض: العرائس، المنامة، مكتبة فخراوي، 1996.
أحمد الصافي النجفي: الأمواج، بيروت، مطبعة الريحاني، ط2.
أحمد شوقي: مختارات من شعر أحمد شوقي، اختارها وشرح مفرداتها وقدّم لها فاروق شوشة، الكويت، مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، 2004.
أمل دنقل: الأعمال الشعرية، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1995.
بدر شاكر السياب : ديوان بدر شاكر السياب ، دار العودة ، بيروت ، 1997.
بلند الحيدري: الديوان، بيروت، دار العودة، 1974.
جميل صدقي الزهاوي: الديوان، عبد الرزاق الهلالي، بيروت، دار العودة، ط2، 1979.
حافظ إبراهيم: الديوان، تحقيق أحمد أمين وآخرون، بيروت، دار العودة، 1969.
داود سلوم: أثر الفكر الغربي في الشاعر جميل صدقي الزهاوي.. دراسة ونصوص، القاهرة، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، معهد البحوث والدراسات العربية، 1984.
سامي مهدي: الأعمال الكاملة، دار الشؤون الثقافية، بغداد.
سعدي يوسف: الأعمال الشعرية، دمشق، دار المدى للثقافة والنشر.
عبد الواحد لؤلؤة: البحث عن معنى، بغداد.
عبد الوهاب البياتي: الديوان، بيروت، دار العودة، 1972.
عرار (مصطفى وهبي التل): عشيّات وادي اليابس (الديوان)، جمع وتحقيق وتقديم: الدكتور زياد صالح الزعبي، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1998.
غالب حسن الشابندر: الآخر في القرآن، بغداد، مركز دراسات فلسفة الدين، وزارة الثقافة، 2007.
محمد راتب الحلاق: نحن والآخر.. دراسة في بعض الثنائيات المتداولة في الفكر العربي الحديث والمعاصر، من منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1997.
محمد عابد الجابري: الخطاب العربي المعاصر، بيروت، دار الطليعة، 1982.
محمد نور الدين أفاية: الغرب في المتخيّل العربي.
محمود درويش: الديوان.
د. مكي محمد سرحان: إبراهيم العريض، سلسلة أدباء خليجيون متميزون، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1.
نازك الملائكة: شظايا ورماد، بيروت، دار العلم للملايين، ط1، 1962.
نزار قباني: الأعمال الكاملة.
يوسف الصائغ: قصائد، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1992.
[1] ) محمد عابد الجابري، عن الغرب في المتخيل العربي، ص18.
[2] ) المصدر السابق، ص28.
[3] ) محمد راتب الحلاق: نحن والآخر.. دراسة في بعض الثنائيات المتداولة في الفكر العربي الحديث والمعاصر، ص33.
[4] ) المصدر السابق، ص34.
[5] ) المصدر السابق، ص36- 37.
[6] ) المصدر السابق، ص40.
[7] ) مختارات من شعر أحمد شوقي، مصدر سابق، ص184.
[8] ) الشوقيات، ج1، ص64.
[9] ) حافظ إبراهيم: الديوان، ج1، ص111.
[10] ) محمد الفيتوري: الأعمال الكاملة، ص496- 498. عن عبدالله رضوان: المدينة في الشعر العربي الحديث، ص192.
[11] ) أدونيس، ص.
[12] ) أدونيس، ص.
[13] ) عرار: الديوان، ص138.
[14] ) بلند الحيدري: الديوان، ص13- 16.
[15] ) سامي مهدي: الأعمال الشعرية، بغداد ، ص322.
[16] ) أدونيس، ص.
[17] ) سعدي يوسف: الأعمال الشعرية، ج4، ص141-143.
[18] ) محمود درويش: الديوان، ص34.
[19] ) محمد راتب الحلاق: نحن والآخر.. دراسة في بعض الثنائيات المتداولة في الفكر العربي الحديث والمعاصر، ص36.
[20] ) موسى، سلامة: الأدب للشعب، ص 12. عن المصدر السابق، ص37.
[21] ) الزهاوي: الديوان، ج1، ص479.
[22] ) المصدر السابق، ج1، ص43.
[23] ) إبراهيم العريض: العرائس، ص72. والقصيدة نُظمت في عام 1938.
[24] ) نازك الملائكة: شظايا ورماد، ص131.
[25] ) عبد الوهاب البياتي: الديوان، بيروت، مج1، ص587
[26] ) أمل دنقل: الأعمال الشعرية، ص107- 111.
[27] ) عبد الواحد لؤلؤة: البحث عن معنى، ص210.
[28] ) بدر شاكر السياب: الديوان، بيروت، 1997 ص197.
[29] ) عبد الواحد لؤلؤة: البحث عن معنى، ص210.
[30] ) عبد الواحد لؤلؤة: البحث عن معنى، ص220.
[31] ) صلاح بعد الصبور، ص.
[32] ) عبد الواحد لؤلة: البحث عن معنى، ص221.
[33] ) انظر تفصيل هذا في: عبد الجبار عباس: السياب، ص149- 213؛ وعبد الواحد لؤلؤة: البحث عن معنى، ص167- 225؛ والمؤلف نفسه: النفخ في الرماد، ص169- 198.
[34] ) مصدر ؟؟
[35] ) عبد الواحد لؤلؤة: البحث عن معنى، ص23- 24.
[36] ) نزار قباني: الأعمال الكاملة، مج757- 758.
[37] ) غالب حسن الشابندر: الآخر في القرآن الكريم، مصدر سابق، ص141.
[38] ) سورة الحجرات، 49.
[39] ) سورة يونس: 19.
[40] ) سورة هود: 110. وانظر أيضاً: الأنفال: 42، ومريم: 37، وفُصّلت: 45.