نبوءة فرعون – عقيل عبد الحسين

 جريدة البينة الجديدة

23-8-2014

عقيل عبد الحسين

هل هناك طرق للاحتجاج على العالم وعلى الحياة في ظروف معينة تنعدم فيها الإنسانية وتطغى أصوات الحرب والموت والرغبة في سحق الإنسان العادي وتقديمه قربانا لأوهام أفراد معدودين، غير الطريقة المباشرة التي نعرفها وتمتلئ بها أكثر الروايات متشكية من أنظمة دكتاتورية وحروب غبية وتقاليد بائدة وثقافة تمييزية.

أظن، نعم. ولكن كيف؟ لنأخذ رواية ميسلون هادي «نبوءة فرعون» مثلا.
الراوية ومن العنوان تقوم على الشك وزحزحة اليقين والمسلم به حتى فيما يراه أو يتفق على حصوله أكثر من شخصية. فالنبوءة كلام عن القادم من الأيام يمكن أن يقع أو لا يقع.
واتصالها، أي كلمة نبوءة، بفرعون الشخصية المعروفة في المرويات الإسلامية بأنها طاغية وكافرة يحيلنا إلى قصة النبوءة التي حذر فيها أحد المتنبئين فرعونا بأن صبيا ولد في مملكته سيكون سببا في هلاكه.
وذلك ما يقودنا إلى موسى الذي كان ذلك الصبي، والذي هربته أمه خوفا عليه من القتل لينتهي إلى بيت الفرعون ويكون ربيبه وعدوه فيما بعد وقاتله في النهاية.وفي الرواية يقترب يحيى من النبي موسى كثيرا. ويحيى هو الابن الوحيد لبلقيس، والأصغر لمنصور الذي له من الزوجات ثلاث، ومن الأبناء الذكور الكثير. ومنصور يُقتل في حرب الخليج الثانية بعد ولادة يحيى بيوم واحد. ويأتي يحيى طفلا غريب السلوك أخرس إلى سن الخامسة، وبعد سلسلة من النذور والزيارات للأضرحة والأولياء، تحل عقدة لسانه وينطق كأحسن ما يكون النطق ويتميز بالذكاء المتوقد والذاكرة القوية وبالبصيرة النافذة. فهو يرى ما سيقع ويخبر به ليقع، وبالسمع المرهف، فهو يسمع ما لا يسمعه العاديون من الناس. وبالرؤيا، رؤية ما لا يراه غيره من الوجوه والعلامات والحوادث.يحيى الذي ينبئ بمستقبل باهر يختفي فجأة بعد حرب العام 2003 فحين تستيقظ أمه لا تجده وتسأل عنه أخوته فلا يعرف عنه أحد شيئا إلا اخته نصف المنغولية ونصف المجنونة شاكرين التي تقول لبلقيس إنها رأته يسير وراء حية (كانوا رأوها في البيت تحت سجادة بلقيس فقتلوها ولفوها بالسجادة) وحين تركض بلقيس إلى السجادة لا تجد الحية. أين أخذت الحية يحيى (التي كانت عنصرا من عناصر قصة موسى أيضا) يحيى؟
تظل بلقيس تبحث عن ابنها وتصل إلى عرّاف يخبرها أنه في النهر (وللنهر صلة بقصة موسى كذلك) فتذهب إلى النهر لتسمع مواساة المارة لها فهم يظنون أن ابنها غرق في النهر وهي لذا تراقب بحزن ولوعة ما يخرج منه، فيروون لها قصصا تؤكد على الرضا بالقدر والنصيب لتقرر بعدها العودة إلى البيت ولا شيء غير ذلك.
تنتهي الرواية بالاستسلام للواقع فما أمام بلقيس لتفعله؟ لا شيء. وهي أي الرواية بطريقة مواربة تحاور قصة فرعون القديمة أو تتناص معها تناصا إبداعيا فهي تقلب نهايتها بأن تجعل الغلبة، على يحيى، لفرعون (فرعون الذي يأتي في الراوية بصورة قائد مستهين بالمصائر يقلبها كما يشاء يساعده وزير السعادة وفرعون كاره لكل شيء يرى العالم أقرب إلى حوض تجارب والبشر أقرب إلى بكتيريا تتكاثر بالانقسام ليس لها هيئات مستقلة أو مشاعر و ملامح أو شخصيات) أما يحيى فيختفي من دون أن يغيّر شيئا، مؤكدا الشعور بالعجز عن مقاومة الخراب الذي يعقبه مزيد من الخراب.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداء.

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداءمن الأحداث الفارقة والمائزة في حياتي،هو اللقاء بالروائية المبدعة ميسلون هادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *