التلقائية والبساطة في السرد الروائي رواية نبوءة فرعون
للروائية ميسلون هادي انموذجا
طالب عمران المعموري
جريدة الحقيقة
12-3-2024
التلقائية والبساطة في السرد الروائي تعني استخدام لغة بسيطة ومباشرة لتصوير الأحداث وصف الشخصيات دون تعقيدات زائدة، مما يسهل على القارئ فهم القصة والتفاعل معها بشكل أفضل.
هذا ما يلمسه القارئ في رواية نبوءة فرعون للروائية ميسلون هادي الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت – لبنان2016 وعلى لسان
راو عليم (السرد العليم) شاهد على الوقائع والاحدث والمتغيرات والتداعيات والتواءات الزمن العراقي، راو يمتلك معرفة شاملة بأحداث القصة ومشاعر الشخصيات وأفكارها. تنسج الرواية أحداثها مبنية على الواقعي والخيالي سرد يقوم على الاستشراف والتنبؤ . انسكبت لغتها سائغة بسيطة مباشرة مرسلة شبه عفوية وطلاقة تطّعمها الكاتبة باللغة العامية.
تمكنت الروائية من خلال هذا الاسلوب التوجيه بالقصة وتقديم تحليلات عميقة للأحداث والشخصيات. و توجيه القارئ وتوضيح الجوانب الرئيسية للقصة والمعاني العميقة. اسلوب الراوي العليم والتصوير المشهدي هما عنصران أساسيان في بنية النص الروائي.
“یا ملائكة الصالحة .. حطوا طوسكم فوق روسكم .. جاءكم الماء الحار .
دلقت بلقيس الماء الفائر مع الرز المسلوق في طبق معدني مليء بالثقوب ، وتركت الرز في المصفى يتصاعد منه البخار لحين يتوشل من الماء ، ثم ذهبت لتفتح الباب ليحيا الذي كان قد عاد لتوه من المدرسة . قالت له :
- ما بك يا يحيا؟
قال : - رأيت طائرة تطير . . والسماء رأيتها مليئة بالدخان .
خرجت بلقيس معه إلى الحديقة ونظرت إلى أعلى فوجدت خيطاً ناصع البياض يشق السماء إلى نصفين …
فسألها يحيا : - ما هذا ، يا أمي ؟
قالت : - لا أدري .
قال يحيا :
هل ستنشق السماء؟” ص91
التصوير المشهدي:
اعتمدت الروائية التصوير المشهدي في النص الذي يساعد على إيجاد تجربة حسية قوية لدى القارئ، حيث يتمكن من تخيل المشهد بواقعية واضحة، تصف لنا وعلى لسان ساردها الأحداث والمشاهد البيئية والحسية بتفاصيل دقيقة وواقعية لتمثيل اللحظات والأماكن، بطريقة تجعل القارئ يشعر وكأنه جزء من البيئة المصورة. تجسد لنا الروائية التصوير المشهدي الأحداث والشخصيات بطريقة تجعلها حقيقية وملموسة، وان والتفاصيل الدقيقة يساعد في إنشاء صور حية في عقول القراء وتوفير تجربة قراءة مفعمة بالواقعية. مثل برودة الرذاذ ورائحة التراب المبتل والأشجار لإيجاد تأثير شامل يلامس حواس القارئ وينقله إلى عالم النص بشكل واقعي.
” بينما بلقيس ترش البلاطات بماء بارد سرعان ما يتبخر في حرارة الليل اللاهبة فتفوح من الارض رائحة تراب مبتل وتنتشر في أرجاء المكان طرية شهية ، وكأنها رائحة طين محفور ” 111
الروائية بمهارتها السردية المشوقة والتنوع في الأساليب السردية مثل السرد الخطي، والسرد الداخلي، والسرد بالحوارات، لإضفاء طابع متنوع وديناميكي على النص ومتعة تأسر المتلقي وتلبسه نظارة ثري دي للدخول إلى جو القصة ليعيش معها صورة وصوت فضلا عن البيئة والتفاصيل الحسية بطريقة مشبعة بالجمال والسحر وجميع الحواس استحضار كل حاسة من حواس القارئ، البصر، والسمع، واللمس، والشم، والتذوق. مما يعزز تفاعل القارئ مع النص الروائي ويجعله يشعر وكأنه جزء من العالم الذي يتم وصفه.
اعتمدت الروائية ُ اسلوب القص على طريقة الحكائين أو كقصص ألف ليلة وليلة. وان هكذا أسلوب يخلق جو من السحر والإثارة، حيث يُعطي النص طابعاً شعرياً ورومانسياً يجذب القارئ ويثير فضوله. يتميز هذا الأسلوب بالاهتمام بالتفاصيل الجمالية والمشاهد الحسية، وكذلك بإضافة العناصر الخيالية والسحرية التي تجعل القصة تبدو كأنها من عالم الأساطير والخيال.
” قالت بلقيس قالت امها قال صاحب عفان ان زمان محمد بعيد ، وانه يبعث في آخر الزمان ولا يجتمع به الا من يعيش ذلك الوقت ، ولا يعيش ذلك الوقت الا من شرب ماء الحياة، ولا يحصل على ماء الحياة الذي يمهلنا الى آخر الزمان، الا من دخل بحر الظلمات …”ص113
قدمت لنا الكاتبة حوارات تنطوي على عواطف قوية ومشاعر عميقة لإشراك القارئ وتحفيز تفاعله مع الشخصيات والأحداث. استخدام الحوارات بشكل فعال لتطوير الشخصيات والعلاقات بينها، واستخدام التفاصيل البصرية لإيجاد تأثير بصري قوي وصفت لنا تجارب الشخصيات بشكل يتيح للقارئ التعرف على مشاعرهم وتجاربهم الشخصية، مما يعزز الاتصال العاطفي بين القارئ والشخصيات والبعد الاجتماعي بإظهار للطبقة التي تنتمي اليها الشخصية والبيئة الاجتماعية والمهنة الني تزاولها والتي لها تأثير كبير على سلوك الشخصية والبعد النفسي والفكري الذي تهتم الروائية بتصوير نفسية الشخصية وتفكيرها وصفا واقعيا والتي تنقل لنا احاسيس ومشاعر وهموم الشخصية والذي ينعكس على المتلقي ويثير فيه الكثير من المشاعر وألوانا من العواطف.
” ومضت الايام وجاءت الايام ، ثم رحل صيف وجاء خريف ، ثم رحل خريف وجاء شتاء ، ثم رحل شتاء وجاء ربيع ، وتفتحت أكمام الورود من جديد ، وجاء السنونو ليبني عشه الازلي بين جداارين خارج المطبخ فراحت شاكرين تغني له: اسود فحم بنه شحم راسه جرص. ذيلة مقص. وانعقد الحصرم بين أغصان دالية العنب…” ص110
السرد الدائري
اعتمدت الروائية هذه التقنية ، تكرار بعض البنى النصية من عناصر القصة مثل الأحداث أو الشخصيات أو الرموز والإشارات الزمنية، والتحكم في الترتيب الزمني للأحداث بحيث يبدو وكأن القصة تتكرر مراراً، او استخدام أحداث أو مواقف تتكرر بطريقة مشابهة لتعزيز فكرة الدورة والتكامل. وزيادة التوقع والتشويق للقارئ بشأن ما سيحدث في النهاية بناءً على ما يتم تقديمه في بداية القصة. نلاحظ ذلك من تكرار البنية النصية التالية:
” ثم استدارت ببطء نحو حبل الغسيل الممدود على طول السطح ورفعته بيدها ومرت من تحته نحو السياج ورمت بنفسها من هناك الى الحديقة ” ص112
وكذلك ” يا مرآة الجدار .. يا مرآة الجدار .. من أقوى الرجال في هذه الديار” ص20، ص77، ص155
هذه التقنية تعزز من تجربة القارئ وتعمق في فهمه للقصة وتعزز الإحساس بالتكامل والانتهاء المحسوس.
النسج الغرائبي
تمكنت الروائية من إضافة عنصر السرد الغرائبي إلى بنية النص الذي يحاكي الواقع الذي يمكن أن يخلق توازناً مثيراً بين الواقعية والخيال ، توظيف العناصر الخيالية مثل السحر والأشباح والكائنات الغريبة، وكذلك استخدام الأحداث الغير مألوفة والتي تتحدى المنطق العادي لإيجاد جو من الغموض والإثارة، والتأثير النفسي على القارئ ، بالطبع! السرد الغرائبي هو نوع من الأساليب الأدبية التي تستخدم فيها العناصر الخيالية والغريبة لخلق جو من الغموض والإثارة. يتميز هذا النوع من السرد بتقديم مشاهد غير عادية وشخصيات غريبة ، يتميز هذا النوع من السرد بالتشويق والتوتر والمفاجآت المستمرة التي تجعل القارئ يرغب في استكمال قراءة القصة لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك.
“عندما خرج يحيا إلى الحديقة كان المطر قد توقف وعربات كثيرة تهبط من السماء تحمل نساء متشابهات يرتدين معاطف بيضاء وربطات رأس بيضاء . نظر إلى المرأة التي نادته ، فكانت يداها طويلتين جداً جداً ، وتحمل بين أصابعها قطعة طباشير بيضاء ، قالت المرأة :
نحن هنا من أجل التلقيح الثلاثي .. ألا يوجد أحد في
البيت؟
قال يحيا :
كلا …” ص128
توظيف التراث
اعتمدت الروائية تقنية التضمين الحكائي و اقتباس القصص الشعبية والحكايات المألوفة من التراث الشعبي كجزء من النص الروائي، ومفردات واغاني شعبية ومن الموروث الشعبي البغداي سواء كان ذلك عبر تقديم الشخصيات والمواقف بشكل مألوف واستخدام شخصيات ومواقف مألوفة من التراث الشعبي لإضفاء طابع مألوف وتواصل ثقافي مع القراء. استخدام الحكايات والقصص كوسيلة لتوثيق التراث الشعبي ونقله إلى الأجيال القادمة. يثير التراث الشعبي ذكريات ومشاعر جذورية للمتلقي، مما يعزز التفاعل العاطفي مع القصة وشخصياتها.
“سقيته فوح التمن ودرتُ به على الشيوخ والاولياء الصالحين ، ويوم أمس فقط أخذته الى شريعة النهر في خضر الياس ، ومن هناك الى عين ماء علي في جامع برثا .. يقولون انها تشفي الاطفال من الخرس ” ص30
يشعر المتلقي بالانتماء والتعاطف مع الشخصيات والأحداث وفهم أعمق للعادات والتقاليد والقيم التي تعكس تراثه وثقافته.
باختصار، توظيف التراث الشعبي في الرواية يمكن أن يؤثر على المتلقي بطرق متعددة، من تعزيز الهوية الثقافية إلى توسيع الفهم الثقافي وتعزيز التفاعل العاطفي مع النص الأدبي