وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
نافذة بسعة الحلم: عبد الخالق الركابي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بـأول رواية، في آذار 1967، وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ نشر سلسلة وقفات قصيرة، على حسابي في الفيس بوك، مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو من ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات، وهي وفقات بسيطة ولا يمكن أن أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى منتصف السبعينيات حين كنت لما أزل في بداية العشرينيات من عمري. وستكون غالبية وقفاتي وليست جميعها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “نافذة بسعة الحلم” (1977)، لعبد الخالق الركابي (واسط/ 1946).
لا خلاف حول أن عبد الخالق الركابي هو أحد أهم الروائيين العراقيين، ولاسيما خلال المدة الممتدة من العقد التاسع من القرن االسابق إلى الوقت الحاضر. حصل الركابي هذا العام على جائزة العويس الرفيعة، في مجال (القصة والرواية والمسرحية)، وهي الجائزة التي أعتبرُها شخصياً أرفع وأهم جائزة أدبية عربية، حتى وإنْ لم تكن الأعلى قيمةً ماديةً.
رواية “نافذة بسعة الحلم” إحدى أهم الأعمال الروائية التي صدرت خلال السبعينيات. ومع ما حققته من إنجاز فني هي برأينا، وهي رواية الكاتب الأولى، جاءت واعدة بما هو أكثر وتحديداً في ما عكسته من قدرة غير عادية للروائي في رسم شخصياتها، ومن لغة جميلة وذخيرة غنية من مفردات عوالم القرية والطبيعة والتراث الشعبي وربما حتى الأسطورة التي من الممكن جداً أن تكون كلها أساسيات لأعمال قادمة يكتبها الكاتب. من الملف الخاص بالرواية، ضمن ملفّاتي الشخصية عن الروايات المقروءة.
إذ أن البطل “مارس العمل منذ كان صغيراً يجرجر أذيال ثوبه في الوحل، فحالما أصبح بإمكانه سحب خروف من أذنيه أصبح العمل مرادفاً لطفولته الصاخبة (…) صباح كل يوم يلبس ثوبه الصوفي السميك ويدس ذراعيه في كمي القمصلة العسكرية الواسعة التي كانت هدية أحد أبناء عمومته البعيدين فيبدو مثل طائر كبير مهشم الجناحين. ويملأ جيوب القمصلة العديدة بحفنات من التمر الجاف وقطع من الخبز البارد السميك.” من رواية “نافذة بسعة الحلم”، لعبد الخالق الركابي، ص25-26.