حوار / الحر ابراهيم
جريدة الموقف 7-1- 2024
قالت المؤلفة العراقية ميسلون هادي عن الفورة الروائية النسوية في مقابلة صحفية انهُ قد آن الاوان لكي يروى العالم من وجهة نظر اخرى اكثر تواضعاً وتهتم كثيراً بتفاصيل الحياة اليومية .
السؤال الأول/ كيف كانت البدايات الأدبية ومحاولات الكتابة الأولى إن صح التعبير في حياة ميسلون هادي؟
- في المتوسطة تحديداً بدأ اهتمامي بالأدب عن طريق القراءة، وكأني، بسبب انطوائي على نفسي في تلك الفترة، أردت اقتحام العالم عن طريق آخر هو الكتب، فأتذكر أن أول كتاب قرأته كان طبعة مختصرة من رواية البؤساء لفكتور هيجو، وبدا لي في ذلك العمر المبكر أني أحاول تكوين نفسي بطريقة مختلفة عن المألوف، فالقراءة يمكن لها أن ترسم لي حياة ثانية خارج النمط الواقعي المعتاد، ثم بدأتْ محاولات الكتابة من خلال دفاتر الإنشاء أيام الثانوية، وبدأت أشعر أن دوري في الحياة هي أن أكون كاتبة.. لكن الجامعة كانت هي المرحلة الأهم في حياتي، فقد شهد العراق بداية السبعينيات انفتاح الأجواء السياسية والثقافية بشكل ازدادت فيه المرونة والتنوع وتقبل الآخر… وتلك الأجواء قد تغلغلت فينا، وجعلتنا نتعرف على الكتب الأدبية والسياسية من اتجاهات عدة.. في ظل تلك الأجواء قرأتُ كثيراً في السياسة وفي الأدب، كما بدأتْ المحاولات الأولى للكتابة الأدبية في تلك الفترة. وفعلاً نشرتُ وأنا طالبة جامعية عموداً صحفياً في مجلة الأجيال، وكانت تشرف على المجلة جارتنا العزيزة الرائدة الصحفية سلام خياط، وأيضاً كتبتُ الكثير من المحاولات الشعرية والقصصية، ولكني لم أنشرها لأنها لم تكن بالنسبة لي سوى تمرين في الكتابة..
-السؤال الثاني /ما رأيك بتزايد أعداد الروائيات في الآونة الأخيرة؟ وهل ترينهنٌ يندرجن جميعهنٌ تحت خيمة الأدب النسوي؟
- نعم شهد العراق والعالم العربي هذه الفورة الروائية النسوية التي جاءت بعد عقود طويلة من احتكار الرجل لهذا المشهد.. فطيلة التاريخ ونحن لا نسمع سوى وجهة نظر واحدة هي وجهة نظر الرجل التي قد تكون سلطوية وفيها إدعاءات كثيرة.. وقد آن الاوان لكي يُروى العالم من وجهة نظر أخرى أكثر تواضعاً وتهتم كثيراً بتفاصيل الحياة اليومية، بل وتنظر لها بحنو بالغ وسلام شديد.. مع الأسف لا يشعر بعض الرجال بالارتياح لندّية المرأة في هذا المجال، كما لا يشعر بالارتياح لهذه النّدية في كل مجالات الحياة. بل ويعتبر البعض منهم نفسه هو القياس الذي يُبنى عليه في النظر إلى منطقية الأمور.. بينما يقدر البعض الآخر حكمة المرأة في التعامل مع المشاكل والأزمات، بحيث يمكن اعتبارها حكومة مصغرة داخل البيت. مع هذا فإن هذا التصنيف للأدب لم يعد يعول عليه كثيراً في هذا الزمان، لأن الكتاب أصبحوا (تواقيع وأسماء)، وليس من الممكن وضعهم في خانات محددة… فهناك لكل كاتب تجربة مختلفة يصعب تحجيمها في مصطلحات نقدية كمصطلح (الأجيال) أو مصطلح (الأدب النسوي).
-السؤال الثالث/هل مازالت ميسلون هادي محافظهً على ظنها الطفولي الأول الذي جعلها تكتب لنا قائلة: إن القمر الذي تراهُ فوق بيتها يختلفُ عن القمر الذي تراهُ فوق بيتِ صديقتها؟
- ظنون الطفولة كانت طريفة وكثيرة، ومنها اعتقادي بأن لكل منطقة قمراً خاصاً بها، كما ظننت أيضاً أن الأطفال يأتون إلى الدنيا فور أن ترتدي العروس خاتم الزواج!!.. أما ما رافقني منها لحد الآن من هذه المشاعر فهي كثيرة أيضاً، فمثلاً أنا لدي إحساس مختلف يوم الخميس عن باقي الأيام.. لأنه ارتبط عندي باليوم الأخير من الاسبوع في المدرسة، حيث كنا نخرج فرحين منطلقين لأن اليوم الذي يليه هو الجمعة. وأيضاً عندما يأتي الربيع ينتابني إحساس الطالب الخارج تواً من الامتحان الشفهي، فهو يكون مبتهجاً عادة، لأن اليوم القادم هو امتحان شفهي أيضاً.. اليوم الربيعي كان يشبه بالنسبة لي عودة الإطفال من إمتحان شفهي.. وكنت أشعر مثلهم بالفرحة والانطلاق. ولكن هذه الإحساس اختفى فجأة بعد رحيل زوجي قبل ثلاث سنوات.. اكتشفت أنني أفتقد كل هذه المشاعر الجميلة.. أي افتقد نفسي.
-السؤال الرابع/ ما هي ردة فعل هذه الروح الحالمة بعد رؤية قمرها الخاص يعاني في إحدى مستشفيات العاصمة بعد أن داهمتهُ جلطة مفاجئة عبرت عنها ميسلون في كتاب (المتيم) بأنها جاءت مفاجئة؟
- سؤالك مؤلم جداً، لكني سأجيب عليه بأني أتذكر تلك الأيام أكثر مما أتذكر الرحيل نفسه.. وقد ذكرت جانبا من هذا الألم في كتاب (المتيم)، والجانب الآخر في رواية (الغرفة وضواحيها)، فتلك الأيام العصيبة لا يمكن لي أن أنساها. ولا أستطيع حتى أن أتحدث عن صعوبة أن ترى إنساناً حبيباً مليئا بالحيوية والصحة الجيدة لا يستطيع حراكاً أو كلاماً.. أصبحت المستشفى هي بيتنا أنا وأولادي.. لأن البيت هو المكان الذي يوجد فيه من تحب.
- السؤال الخامس/ لقد بينت لنا ميسلون هادي عمر الأنسان الحقيقي من خلال كتابها المتيم، حيث قالت :إنّ العمر الحقيقي للإنسان هو ما يفكر به قبل أن ينام . فإذا كان يحلم بالحبيب بالخلوة معه، بلثمِ يديه، وضمهُ بين ذراعيه، فهو في فورة الصبا وعمر الشباب، أما اذا هجم الظلامُ عليه وجعله يستعيد الأوقات المنقضية في مكانٍ مؤلم قد شاب وشاخ وانشرخت روحه حتى لو كان شاباً .
- هذا ماحدث معي بعد رحيل زوجي، فقد هجم الظلام علي فجأة، وأصبحت لا أتذكر يوماً واحداً من الأيام السعيدة التي قضيناها معاً، وكأن الرحيل كان له القدرة على مسح تلك الأيام كلها في لحظة واحدة. ولهذا استغرب ممن يقول إن ذكريات الراحلين السعيدة تجعلك تبتسم، لأن العالم الذي يعنينا ما هو إلا ما تراه عيناك منهم، ويحبه قلبك فيهم، ويجعل الدنيا تحمل أنوارنا وانوارهم.
- السؤال السادس/ كيف يمكن أن يكون النقصان سمة من سمات الحياة، وكيف نتأقلم معه ونحنُ لا نحلم إلاّ بما يسدُ حاجتنا ويُغنينا عن كل شيء آخر ومن ذا الذي يستطيع مصاحبة النقصان ليصنع منه في وقتٍ آخر الحياة التي يُريدها؟
- الفقدان هو الوجه الآخر للحياة.. وحالة الحزن هي صفحة من الحياة، كما هي السعادة صفحة من صفحات الحياة، والتعايش معه يكون بالقبول به، وعدم التمرد عليه، أي أن تكون راضيا بحزنك، وتحفر عميقاً في الجبل للوصول إلى أماكن خفية في نفسك.. في البداية كانت شجاعتي مُرة في فمي، وصعبة على بدني، فكنت أشعر طوال الوقت بألم يعتصر أحشائي، ووجع في قلبي يجعل الضيق شبيهاً بانتظار امتحان عسير. وفي النهاية كان علي أن أغيب عن نفسي القديمة، وأعرف أنني داخل نفس أخرى، ولون جديد من الحياة، إنه لون الشدة، لكنه يبقى لونا من ألوان الحياة التي نمضي بها وتمضي بنا حتى النهاية.
- السؤال السابع/ هل مازالت ميسلون هادي الكاتبة والأنسانة التي تحدت الكثير والتي مازالت تستطيع ان تخطَ لنا اجمل النصوص بقلمها، لا تجد رداً مناسباً بعد أول كلمة [شلونك]تسمعها في الهاتف؟
- نعم عزيزي من الصعب جداً أن تشرح ما تشعر به شفاهياً.. والكتابة ساعدتني على التعايش مع الحزن.. والتعبير عنه أيضاً.. بل كانت وسيلتي الدفاعية للمضي في الحياة. اكتشفت أن طاقة الحزن تستطيع تسجيل لحظات الحضور الإنساني المؤثرة أكثر من طاقة السعادة.
- السؤال الثامن/ هل الرجل لا يشعر بلوعة الفقد حقاً كما تشعرُ بها الأم التي فقدت ولدها، كما ذكرتِ في رواية العالم ناقصاً واحد، عندما تكلمتِ عن تلك الأم التي حبست حسرتها لأنها كانت تعرف في داخلها أنهُ لا يفهم لوعة قلب الأم لأنه رجل؟
- حزن الأب كان كبيرا جدا في (العالم ناقصا واحد)، حتى أن المعزين كانوا يبكون عليه أكثر مما يبكون على ابنه.. لكنه كان يضيق بتفاصيل النساء في التعبير عن حزنهن بالصراخ أو العويل أو تفسير الأحلام والمصادفات على أنها إشارات معينة قادمة من عالم الغيب.
- السؤال التاسع/في الخاتمة هل تستطيع ميسلون هادي أن تذكر لنا كتب يجب على كل طالب جامعي أن يبدأ بقرائتها والتمعن بما في داخلها؟