مقدمة في أشكال التأثير الغربي
في الأدب العربي الحديث
د. نجم عبدالله كاظم
أستاذ النقد والأدب المقارن والحديث
كلية الآداب / جامعة بغداد
مدخل
معروف أن القول في العلاقات ما بين الآداب القومية وما ينشأ عنها من تأثير وتأثر هو جوهر الأدب المقارن وفق فهم المدرسة الفرنسية، بل إن الخلاف ما بين هذه المدرسة والمفاهيم أو المدارس الأخرى التي تقوم على واقع النصوص ولا تشترط العلاقة التاريخية وما ينشأ عنها، لا يقلل من أهمية التأثير والتأثر في الدراسة التطبيقية المقارنة. وإذا كانت هذه الظاهرة، بحدود تعلق الأمر بالأدب العربي، على وجهين، يتمثل أولهما في تأثير الأدب العربي في الآداب الأجنبية، وثانيهما في تأثير تلك الآداب في الأدب العربي، فإننا نُعنى هنا بالوجه الثاني المتمثل تحديداً في تأثير الآداب الغربية في الأدب العربي الحديث. ولأننا معنيون أصلاً بالأدب العربي الحديث أكثر من عنايتنا بالآداب الغربية فإننا سنتعرض تطبيقياً لفنون هذا الأدب أو أجناسه المختلفة لنبحث عن التأثّيرات الأجنبية الواضحة أو المؤكدة والمحتلمة التي تنمّ عنها، قبل الانطلاق لتحديد أصولها في الآداب الغربية تحديداً. وسيكون ذلك بشكل وقفات قصيرة عند بعض التأثيرات الغربية التي يمكن لنا أن نرصدها في كلًّ من فنون الأدب العربي الحديث مبتدئين بالشعر، لنمر بعده بالرواية فالقصة القصيرة، ونختمها بوقفة عند أقل الفنون الأدبية حضوراً، نعني المسرحية.
(1)
بعض التأثيرات الأجنبية في الشعر العربي الحديث
المعروف أن التعرف الأول لأدباء العرب في العصر الحديث على الآداب الأوربية، والذي حدث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لم يقد بهم إلى تأثر واضح بشعر تلك الآداب بالرغم مما أثاره فيهم من إعجاب وانبهار. أما سبب ذلك فهو، كما معروف، أن إحساساً قومياً ووطنياُ وربما دينياً كان قد نبع في الوقت نفسه في دواخل هؤلاء الذين كانوا من المتوقع أن يتأثروا كما هو حال شعراء الإحياء وعلى راسهم محمود سامي البارودي. في الواقع أن هذا الإحساس زرع في نفوسهم ما يشبه التمنع أو الحصانة مما فهموا أنه سيكون انقياداً للآخر، على الرغم مما اقتنعوا به من ضرورة تجاوز الشعر السائد. وهكذا كان توجههم في سبيل تحقيق هذا التجاوز، كما نعرف، نحو الشعر العربي القديم المتميز والمختلف بدلاً من محاكاة الأجنبي المتميز والمختلف. لكننا بدأنا بعد ذلك نرى لدى شعراء ومدارس وتيارات شعرية عديدة تالية تأثراً متصاعداً بالشعر العالمي وتحديداً الأوربي، وكانت في البداية عبر العموميات غالباً قبل أن تصير فيما بعد في جوانب واضحة ومقصودة ويعيها المتأثرون. وإذا كان ممكناً فعلاً رصد ذلك لدى شعراء الديوان أولاً، وبشكل أكثر وضوحاً ونضجاً إلى جانبهم وبعدهم لدى شعراء المهجر وأبوللو، فإن الذي سيكون أكثر تأثراً وأنضج استيعاباً لهذا التأثر هو الشعر الحر بكل شعرائه. هذا استدعى أن يكون الشعر الحر وبعض شعراؤه نموذجنا من التأثيرات الأجنبية في الشعر العربي الحديث.
إن المتتبع لحركة الشعر الحر يجده قد تأثر في انطلاقته وتطوره تأثراً كبيراً بالشعر العالمي وخصوصاً الشعر الإنكليزي ، وإلى حد ما الأمريكي. هذا الأمر ينطبق على كل شعراء هذه الحركة تقريباً بدءاً بشعراء الريادة بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وبلند الحيدري وعبد الوهاب البياتي، ومروراً بالشعراء الذين عززوا الريادة مثل أدونيس ولويس عوض وجبرا إبراهيم جبرا ومحمد الماغوط ويوسف الخال وغيرهم، ووصولاً إلى شعراء الأجيال التالية أحمد عبد المعطي حجازي وأمل دنقل وعبد الرزاق عبد الواحد ومحمد الفيتوري وخليل حاوي ونزار قباني ويوسف الصائغ وسعدي يوسف ومحمود درويش وسميح القاسم وحسب الشيخ جعفر وكمال أبو ديب وسامي مهدي وغيرهم. ويبقى التأثير الأكثر حجماً وبروزاً ووضوحاً كان ذلك الذي تلقّاه شعراء الريادة السياب ونازك وعبد الصبور وبلند والبياتي. وكان ذلك طبيعياً ونحن نعرف أن العامل الأكثر فاعلية ضمن العوامل التي قادت إلى انطلاق حركة الشعر الحر التجديدية هي اطّلاع رواده على الآداب الأجنبية وفي مقدمتها الشعرية، وتأثرهم بها طبيعةً وفناً ومنجزاً قبل تأثر أشعارهم ذاتها، بعد أن كان الشعراء الشباب الواعد قد انفتح على تلك الآداب وراح يقرأها بنهم. و”تشكل النماذج الأجنبية التي اطلَّع عليها الشعراء الشباب مصدراً… من المصادر التي أغنت لغة قصائدهم، سواء ما قرؤوه منها بلغة أجنبية أو مترجماً إلى اللغة العربية. وإنه لمن المنطقي التفكير بأن هؤلاء الشعراء الذين أُعجبوا ببعض قصائد ناظم حكمت وأراغون وإيلوار ونيرودا ولوركا وتي. إيس. إليوت. وكيتس وشيلي، وستيفن سبندر وايديث سيتويل، لا بد أن يكونوا قد تأثروا إلى هذا الحد أو ذاك بلغة هؤلاء الشعراء”([1])، وكان في طليعة هؤلاء هم الشعراء الإنكليز، ليكونوا في النتيجة في طليعة المؤثرين بالطبع. وقد أول تأثير الشعر الإنكليزي في الشعراء المعاصرين المجددين، على رأي عبد الواحد لؤلؤة، “يتخذ شكل الترجمة المباشرة، ونستطيع تلمس بعض آثاره وأصدائه منتشرة في بعض الصور الشعرية المستقاة من بعض شعراء القرن التاسع عشر الإنكليز”([2]) . وإذا لم يكن أثر الشعر الإنكليزي في الجانب الشكلي والفني من الشعر العربي المعاصر مرصوداً وفاعلاً في البداية، فإن مثل هذا الأثر في المضمون وضمن ذلك في مرجعياته الأسطورية مثلاً قد كان واضحاً حتى في تلك البداية، كما يبدو ذلك فعلاً في شعر السياب. وعلى أية حال لم يتوقف الأمر عند هذه الحدود ، بل سرعان ما تعمقت التأثيرات، كما لم يتوقف حجمها وعمقها وفاعليتها ووضوحها على الموضوع، بل تعداه إلى الصناعة الشعرية، فكان هناك، إضافة إلى الأسطورة والرمز، توظيف التاريخ والتراث، والغموض، والتضمين، والتركيب الموسيقي ذو التناغم لا رتابة اللحن الواحد، ورسم الصور الشعرية الجديدة، واعتماد التجريد الفكري والتركيب بدل هيمنة الغنائية والمباشرة، والتكرار الموحي، والمفارقات الدرامية، والمنلوغ، واستخدام المفردات الدارجة، ونظام المقاطع، ووحدة القصيدة العضوية..إلخ([3]). هذه التأثيرات أصابت، إضافة إلى السياب ونازك، جل شعراء الحركة، خصوصاً حين تعدت حدود الموضوع، كما قلنا، مثل صلاح عبد الصبور، وجبرا إبراهيم جبرا، وتوفيق صايغ، ولويس عوض، وغيرهم. وعلى أية حال، للمتأمل لشعر السياب تحديداً يستطيع أن يضع اليد على جوانب تأثير الشعر الأجنبي فيه، ولاسيما الإنكليزي، وبشكل أكثر تخصيصاً شعر ت. س. إليوت، وإيديث سيتويل، بعد أن عرفهما خلال مرحلة الكلية([4]). فقد “كان يقرأ خلالها أشهر نماذج الشعر الإنكليزي، وكان يستمد صوته ومزاياه الشعرية من شعر سيتويل في قصائدها الشديدة الحسية عن الحرب وإقحامها الأسطورة والمناخ الشعري والمنلوغي والتقمص والاستبطان، فيما وظف الكثير مما وجده في شعر إليوت من أفكار وتقنيات، كما فعل مع قصيدة الشاعر الإنكليزي “الأرض اليباب” ، فتأثر بها في قصيدته “رؤيا فوكاي”([5]).
ولعلنا أخيراً لا نكرر بدون فائدة توضيح ما يأتي: أولاً، إن الحديث عن تجربة السياب وعلاقتها بالأصول والمؤثرات الأجنبية تتخطى هذا الذي تناولناه ليشمل كل ظواهر شعره الموضوعية والفنية تقريباً. ثانياً، كما لا يقتصر هذا الحديث في تفصيلاته ومحدداته وفي أشكال التأثير الأجنبي على السياب وتجربته، بل هو يشمل بهذا القدر أو ذاك، وكما قلنا، تجارب جل شعراء الشعر الحر العرب. ثالثاً، ومن الطبيعي، في الجانب المقابل وحين يتخطى هذا التناول السياب، أنْ لا تقتصر أصول المؤثرات على إليوت وسيتويل، ، بل يشمل شعراء غربيين كثيرين، نذكر منهم: وليم شكسبير، ولورد بايرن، وعزرا باوند، والت ويتمان، وإميلي ديكسن، ووليم أمبسون، وو. ه. أودن.. وآخرين.
(2)
بعض التأثيرات الأجنبية في الرواية العربية
كان من الطبيعي أن تتأثر الفنون النثرية العربية الجديدة مثيلاتها في الآداب الأجنبية تأثراً كبيراً مقارنة بالشعر، كونها أصلاً غربية الأصول كما نعلم، وهو التأثر الذي يظهر فعلاً في أوضح أشكاله في الرواية على امتداد تأريخها الممتد إلى حوالي مئة عام. وهكذا يلمح الدارس المقارن بوضوح تأثير الرواية الفرنسية وإلى حد ما الروسية في رواية ما قبل الخمسينيات مثلاً، مع بعض الاستثناءات المهمة التي تخرج عن هذه الدائرة إلى آداب أخرى، مثل تأثير الرواية التاريخية للإنكليزي والتر سكوت، إلى جانب الفرنسي ألكسندر دوماس الأب في تجربة جرجي زيدان الرائدة في كتابة الرواية التاريخية.
وتبدأ رواية ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً بعد خمسينيات القرن الماضي، ومع تراجع تدريجي للتأثير الفرنسي في البداية ثم الروسي، بتلقى تأثيرات الآداب الروائية الأخرى ولاسيما الإنكليزية والأمريكية. ذلك كله كان بالطبع تبعاً لما أُتيح للروائيين العرب قراءته والاطلاع عليه ولحركة الترجمة وتوجهاتها في عواصم النشر القاهرة وبيروت أولاً، ثم بغداد ودمشق قبل أن تنظم إليها، في فترات متأخرة، عواصم أخرى. لقد كان من نتائج هذه الحركة أن أصبح معروفين ومقروئين جداً، في الفترة الممتدة من نهاية الخمسينيات وحتى السبعينيات روائيون، مثل: جان بول سارتر وأبير كامو من الفرنسيين، وليو تولستوي وفيدور دستويفسكي وماكسيم غوركي من الروس، وإرنست همنغوي ووليم فوكنر وأرسكين كولدويل وجون شتاينبك ودوس باسوس من الأمريكان، وفرانز كافكا التشيكي، وألبرتو مورافيا الإيطالي، وتوماس مان الألماني، وكازنتزاكي اليوناني. والواقع، وتبعاً لهذا، صار تأثر الرواية، ومرة أخرى باختلاف عن الشعر، متنوع المصادر بشكل كبير. والتوقف مقارنياً عند أي من مراحل مسيرتها تبيّن كيف هي خضعت للتأثير المتنوعة. لكن هذا التأثير يختلف بالتأكيد قوةً وحجماً وأهميةً، من حيث جوهرية الجانب الذي تكون فيه في الروايات العربية، كما يختلف باختلاف الروائيين العرب الذين تلقّوها. ولعل استعراض الخطوط العامة لأكثر ما نراه وضوحاً وأهمية من ذلك سيكون كافياً لتقديم الصورة البانورامية التي تبغي دارستنا تقديمها.
إن أول الروائيين العرب الذين نتذكرهم هنا هو نجيب محفوظ، وواضح بداية أنه تأثر بهذا القدر أو ذاك برواية القرن التاسع عشر وأوائل العشرين الواقعية، في أعمال الواقعية الاجتماعية من مسيرة الروائية. ومع صعوبة وضع اليد بحسم هنا على أي تأثير واضح ومحدد لكاتب على وجه التحديد فيه فإن بالإمكان الإشارة إلى تأثيرات عامة لكتّاب مثل الفرنسيَيْن دي بلزاك أميل وزولا، والإنكليزيَيْن آرنولد بنيت وجون غالورثي. أما تأثيرات الروائيين الآخرين فقد وجدت طرقها وبدرجات مختلفة إلى بعض أعمال الكاتب التالية، فكان أن استوحى في كتابة روايته “ميرامار” مثلاً بناء رواية لورنس داريل “الرباعية الإسكندرانية” وتقنيتها المتمثلة في تقنية قائمة على وصف سلسلة من الأحداث، كما تراها أربع شخصيات”. والواقع أن هذه التقنية التي كان داريل أبرز من استخدمها قد انتقلت إلى كُتّاب آخرين قبل محفوظ وبعده. ولعل أشهر من نستذكره هنا فتحي غانم في “الرجل الذي فقد ظله”. وينفتح أدب محفوظ في مراحل تطوره التالية على اتجاهات روائية واسعة لا مجال للدخول فيها هنا.
أما أكثر الموجات والاتجاهات الأدبية الغربية تأثيراً في الآداب القصصية الروائية العربية، خصوصاً في الفترة الممتدة من الخمسينيات إلى الثمانينيات من القرن الماضي فكانت موجة الأدب الوجودي وأدب اللامعقول وكتابات تيار الوعي، والتي جاءت مقترنة أو مصاحبة لاتجاه الرواية الواقعية، أو بعد انحسار هيمنة هذه الاتجاه. يقول جبرا إبراهيم جبرا: “كان سارتر الكاتب الخاص المفضل لسوق الكتب البيروتية، وكان رد الفعل في بغداد والقاهرة هائلاً، ولم يكن للمرء أن يتفق مع كل ما قاله سارتر، ولكن أفكاره قد أصبحت بالغة الأهمية للجيل الجديد من الكتّاب الذين حاولوا التأثير في القضايا السياسية والاجتماعية في زمنهم”. وعموماً صارت أسماء كتّاب مثل سارتر وكامو وفرانز كافكا وكولن ولسون وجيمس جويس وولف وفوكنر شعبية جداً بين مثقفي تلك الفترة، وربما حتى بين متوسطي الثقافة، الأمر الذي قاد إلى أن تمارس أعمالهم تأثيراتها المختلفة في الكتّاب العرب، وفي مقدمتهم المشرقيون. وهكذا “لئن بدأت ثلاثية سهيل إدريس بالتبشير بالفلسفة الوجودية، فإن مطاع صفدي قد خطا خطوات كبيرة في هذا المجال حتى أصبحت أعماله لوناً من التجريد الفلسفي، والتنظير الفكري، والمعالجة الفردية لأفكار وقيم غير مرتبطة بالواقع الحي، على نحو ما نرى في روايتيه (جيل القدر) و(ثائر محترف) [اللتين تقدمان] الموقف الفردي الوجودي القائم على عدم الانتماء الفكري وعلى الحرية في الاختيار”([6])، وهو الموقف الذي نلمحه في بعض أعمال كتّاب آخرين مثل جورج سالم وفؤاد التكرلي مثلاً. وضمن هذه الموجات والتيارات يُعد كاتب أدب اللامعقول كافكا واحداً من أبرز المؤثرين من خلال رواياته “القضية” و”القصر” و”أمريكا” وقصته الطويلة “المسخ” وبعض قصصه القصيرة، وقد ظهرت تأثيراتها في الكثير من الروائيين العرب ، نذكر منهم جورج سالم في “في المنفى”، وجبرا إبراهيم جبرا في “الغرف الأخرى”، وإبراهيم نصر الله في أكثر من عمل من أعماله، ومحي الدين زنكنه في روايتيه “ليبقى الحب علامة” و”بحثاً عن مدينة أخرى”، ويحيى الطاهر عبدالله في العديد من قصصه القصيرة والطويلة.
وإلى جانب أعمال كافكا لا ننسى، ضمن كتابات الوجودية واللامعقول وتيار الوعي والكتابات التي تقترب منها، تأثيرات ألبير كامو في رواياته “الغريب” و”العصيان” و”السقطة” و”الطاعون”، وسارتر في “الأيدي القذرة” و”الغثيان”، وكولن ولسون في “اللامنتمي”، وهمنغوي في “وداعاً للسلاح” و”وتشرق الشمس ثانيةً” و”لمن تدق الأجراس”، ووليم فوكنر “الصخب والعنف” و”الحرم” و”ضوء في آب” وأعمال أخرى … وغيرهم.
في الحديث مقارنياً الفترة نفسها– من الخمسينيات إلى السبعينيات- نجد أن التأثيرات الأجنبية لا تقتصر بالطبع على هذه الفئة من الكتّاب، بل هي تتعداهم إلى آخرين وتتعدى تياراتهم إلى أخرى. فمن المؤثرين، بهذه الدرجة أو تلك، يبرز: دستويفسكي، وميخائيل شولوخوف، وروب غرييه، وجويس، ووولف، وشتاينبك، وكولدويل، ووليام سارويان، ومورافيا، ولورنس، ودوس باسوس، وكازانتزاكي. ولتقدير أهمية تأثيرات هؤلاء الروائيين لنا أن نعرف أن قلّةً فقط من كُتّاب النصف الثاني من القرن الماضي العرب لم تتأثر بهم أو ببعضهم. فمن الروائيين العرب، غير الذين ذكرنا، الذين نعتقد أن تأثّراتهم بهؤلاء الروائيين الأجانب متحققة فعلاً نذكر: إسماعيل فهد إسماعيل، وفؤاد التكرلي، وفتحي غانم، ويوسف إدريس، وغسان كنفاني، وغائب طعمة فرمان، وجبرا إبراهيم جبرا، وعبد الرحمن الربيعي، ومولود فرعون، وحليم بركات، ويحيى الطاهر عبدالله، وفاضل العزاوي، وغالب هلسا، وحنان الشيخ، وغيرهم. ومن بين كل هؤلاء الروائيين الغربيين المؤثرين فيهم، أو في بعضهم، يتقدم فوكنر ليكون ضمن أكثرهم صدىً وشعبية وتأثيراً فيهم، خصوصاً من خلال روايته “الصخب والعنف”. في الواقع بيس صعباً أن نجد أسلوب هذا الكاتب وأبطاله وشخصياته وشيئاً من عوالمه وتوظيفاته الفنية، من خلال هذه الرواية وإلى حد ما غيرها، في بعض أعمال غسان كنفاني، كما في روايته “ما تبقى لكم” التي حاكى فيها رواية فوكنر أسلوباً وتقنية وتوظيفاً للزمن، وفي بعض أعمال جبرا إبراهيم جبرا، وغائب طعمة فرمان، وفؤاد التكرلي، وإسماعيل فهد إسماعيل.
وليس للمتعامل مع وليم فوكنر وخصوصية عوالمه وأسلوبه وتقنياته الفنية وأفكاره العميقة إلا أن يستحضر كامل ثلاثي كُتاب تيار الوعي وهم، إضافة إليه، جيمس جويس وفرجينيا وولف، وقد نضيف مارسيل بروست. لكننا يجب أن نقرّ بعدم وصول حضور هؤلاء وتأثيراتهم إلى حجم حضور فوكنر وتأثيراته. وربما مرد ذلك يعود إلى سببين رئيسين، أولهما ما عليه كتابات جويس ووولف من صعوبة حتى على بعض الأدباء. أما السبب الثاني فهو ما سببته رواية فوكنر الشهيرة “الصخف والعنف” حين ظهرت طبعتها العربية بترجمة جبرا إبراهيم جبرا سنة 1961 من صخب وعنف– على حد تعبير أحد مثقفي تلك الفترة– مدعومةً بدراسة جبرا نفسه عن الروائي والرواية التي كان قد نشرها، قبل ذلك، في مجلة “الآداب” البيروتية وتحديداً في سنة 1954. “وفيما يتعلق بجوانب التأثّر، نجد أنها تتركز في الجو العام، والنفس الفوكنري الخاص، وبعض الأفكار والاهتمامات، خصوصاً ما يتعلق منها بأزمة الإنسان في الحياة، إضافة إلى الشكل الروائي والأساليب التقنية والأسلوب العام للكاتب”([7])، وهي جوانب أكثر ما تمثلت، للقارئ والكاتب العربيين، في روايته هذه.
وانتقالاً إلى غير فوكنر وكتّاب تيار الوعي، نقول إذا كانت شعبية ماركيز وكتاب الواقعية السحرية الأمريكيين في الوطن العربي جديدة نسبياً فإن هذه الجدة، وانطلاقاً من الهوس بهؤلاء الكتاب الذي أصاب القراء العرب، لم يحل دون أن تظهر تأثيراتهم، ولاسيما ماركيز، كبيرة وجوهرية وفاعلة في أعمال الروائيين العرب. ولنا أن نشير بشكل خاص إلى عبد الخالق الركابي الذي تأثر، في أكثر من واحدة من رواياته، بهذا الكاتب.
(3)
بعض التأثيرات الأجنبية في القصة القصيرة
مع أنّ تتبع التأثيرات التي أصابت القصة القصيرة العربية أكثر صعوبة وتشابكاً من تتبّع تلك التي أصابت الشعر والرواية، فمما يخفف من عبء هذه الصعوبة وهذا التشابك أن غير قليل من التأثيرات التي عرضنا لها في الرواية تحديداً هو ضمن ما وقع على القصة، وذلك بسبب القواسم المشتركة غير القليلة بين الفنين القصصيين طبيعةً، إضافة إلى أن جل الروائيين غربيين وعرباً كتبوا ويكتبون القصة القصيرة، والعكس يكاد يكون صحيحاً بالنسبة للقصاصين. من هنا من الطبيعي، في البحث عن أكثر الكتاب الغربيين من حيث الانتشار وقراءة العرب لهم، ومن ثم احتمال تأثيرهم في القصاصين العرب، أن نعود هنا إلى الكثير من الأسماء التي عرضنا لها في المبحث السابق، لنكتفي في النتيجة بإضافة بعض الأسماء التي لم نذكرها هناك. وهكذا تمشياً مع الهيمنة الواضحة للأدب الفرنسي وإلى حد ما الإنكليزي التي رأيناها في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى وامتداداً إلى الخمسينيات، تأتي قراءة العرب بشكل خاص للقصاصين الفرنسيين مثل كي دي موبسان، والروس مثل أنطوان تشيخوف. وكما تنوعت القراء في مجال الرواية، بدءاً بالخمسينيات وامتداداً إلى الستينيات فالسبعينيات، تنوعت في مجال القصة القصيرة، فقُرئت قصص للفرنسيين موبسان وناتالي ساروت، والروس تشيخوف ونيقولاي غوغول، والإنكليزي جويس وسمرست موم، والأمريكان إدغار ألن بو وهمنغوي وفوكنر، والتشيكي كافكا، والنيوزلندية كاترين مانسفيلد. كل ذلك كان قبل أن تقتحمنا كتابات كتّاب جدد في فنهم مثل الأمريكي الجنوبي بورخيس وعموم كتاب الواقعية السحرية الأمريكيين الجنوبيين.
في الدخول إلى عالم التأثير لا ننتظر أن يكون كل مَن ذكرنا من الروائيين والقصاصين قد أثروا في القصاصين العرب، ونحن نعرف أن بعض من شاعت أعمالهم من الغربيين قد وجدوا محبيهم بين بسطاء القراء وصغار الكتّاب العرب الذين قد لا تكون تأثّراتهم ذات قيمة نقدية كبيرة وعليه فهي لا تدخل ضمن الدراسات المقارنة، ولا تكتسب أهمية عندنا هنا. أما أكثر وأهم من نرى لتأثيراتهم قيمةٌ نقدية وفنيّة من الكتّاب الأجانب، بحيث طالت هذه التأثيرات بعض أبرز القصاصين العرب فهم برأينا: ساروت، وكامو، وتشيخوف، ودستويفسكي، وجويس، وهمنغوي، وكافكا، وبورخس. وإذا كان كتّاب اللامعقول والوجودية ضمن أهم المؤثرين، فإن التوقف قليلاً عند كافكا تحديداً سيكون مثالاً كافياً على ذلك وعلى عموم التأثير الأجنبي في القصة القصيرة العربية.
شهدت السنين، التي تلت الحرب العالمية الثانية في الوطن العربي، غزوَ اتجاهات ومذاهب وأنواع من الكتابة سبق لها أن حققت انتشارها في الغرب. من ذلك بشكل خاص كتابات الوجودية وتيار الوعي واللامعقول وأدب الضياع وكل ما يتلاءم مع حالات القمع والإحباط ومع عموم الظروف السياسية والاجتماعية العربية التي ساعدت على انتشارها وقراءتها. “فأصبح مألوفاً جداً، على المستوى الثقافي، أن تملأ رفوفَ مكتبات شباب المثقفين كتبُ سارتر، وسيمون دي بوفار، وكولن ولسون، وبيكيت، وكامو”([8]). والواقع أن المشرق العربي، سوريا ولبنان وإلى حد ما العراق، وكما كنا قد نوهنا بذلك في حديثنا عن الرواية، قد احتضن، أكثر من غيره، هذه الكتابات، استجابةً لظروف المنطقة أولاً، ولكون هذه الاتجاهات والكتابات هي من إفرازات المرحلة التي كان الغرب قد مر بها ثانياً. إضافة إلى ذلك هي جاءت في الكثير من الأحوال ثمرةً لجهود مثقفين وأدباء ومفكرين مثل منير بعلبكي وسهيل إدريس ونهاد التكرلي، ولنشاطات مجلات ودور نشر مثل مجلة (الآداب) البيروتية، ودار الآداب، ودار العلم للملايين، والهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، وغيرها([9]).
لقد كان من الطبيعي، في ضوء ذلك، أن تمارس هذه الكتابات تأثيراتها المختلفة في الكتّاب العرب. ويرى البعض أن “السمة التي غلبت على أدب الشباب [تحديداً] منذ أواخر الخمسينيات حتى حرب حزيران سنة 1967، هي التعلّق بأدب الضياع عامة… فهناك دوماً ظلال مباشرة أو غير مباشرة لكتاب مثل فرانز كافكا، و ت. س اليوت، ود. هـ. لورنس، والبير كامي، وجان بول سارتر، وصاموئيل بيكيت، وكثيرين غيرهم”([10]). ومن هؤلاء تبرز أعمال كافكا الذي تُرجم الكثير من أعماله خلال عقدي الخمسينيات والستينيات، بحيث يمكن رصد تأثيراتها واضحةً في قصص الكثير من القصاصين العرب مثل غادة السمان، وزكريا تامر، وجبرا إبراهيم جبرا، وجورج سالم، ووليد إخلاصي، ويوسف إدريس، وياسين رفاعية، وجمعة اللامي، وعبد الرحمن مجيد الربيعي، ويجيى الطاهر عبدالله، ومحي الدين زنكنه وغيرهم. ويشترك مع كافكا بالطبع، في ممارسة مثل هذه التأثيرات في الكُتّاب العرب، بعضُ من ذكرنا من الكتّابٌ الذين يقتربون منه في هذا الجانب أو ذاك، مثل كامو، وسارتر، وإلى حد ما همنغوي، ممن لا مجال لتناولهم في هذه المقدمة.
(4)
بعض التأثيرات الأجنبية في المسرحية
آخر وقفاتنا القصيرة هذه نقفها عند المسرح وتحديداً الكتابة المسرحية التي تلقّت هي الأخرى التأثيرات الأجنبية، أولاً لأن المسرحية، وكما هو حال الرواية والقصية القصيرة، فن وارد علينا من الغرب، وثانياً لأن كتابتها عربياً تأتي في ظلال انفتاحات متزايدة للعرب والثقافة العربية على الغرب والثقافة الغربية. وإذا كان من الطبيعي أن تلتقي هذه التأثيرات جزئياً من حيث مصادرها مع تلك التي رأيناها في الفنون الأدبية السابقة، فإنها في الحقيقة تختلف عنها أيضاً، كونَ المسرحية، وبخلاف الفنون الأدبية الأخرى، قائمة على الكتابة والتجسيد كما نعرف، الأمر الذي يعني أن كُتّابها شأنهم شأن بقية المعنيين بها اتصلوا بمصادر لهذا الفن تختلف عن مصادر الفنون السابقة. وعموماً تكتسب المسرحية عند الدارس المقارن أهمية أقل من الأهمية التي للفنون الأخرى، وذلك بسبب محدودية كُتّابها والكتابة فيها في الوطن العربي مقارنةً بما نعرفه عن الشعر والرواية والقصة القصيرة.
على أية حال تبقى الحقيقة المهمة هنا هي أن التأثيرات الأجنبية في كتابة المسرحية العربية، كما في إخراجها وتجسيدها، موجودة وفاعلة كونها، بذرةً وأصولاً ونشأةً وتأسيساً، كما قلنا، منقولةً إلينا من الغرب. فابتداءً نشأ المسرح العربي وتطور كتابةً وتجسيداً من خلال النقل عن المسرح الغربي وتقليده، بترجمة مسرحيات عالمية وإعدادها، عن الأدب الفرنسي بشكل خاص وإلى حد ما الإنكليزي والمسرح اليوناني القديم، وتقديمها على المسرح. لقد كانت البداية حين أعد اللبناني مارون النقّاش سنة 1848 المسرحية العربية الأولى “البخيل” وأخرجها نقلاً أو ترجمةً أو ربما استيحاءً من مسرحية موليير الشهيرة، وهو الاستيحاء الذي هيمن على التأليف المسرحي في مرحلة الريادة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر([11]). أي أن العرب حين بدأوا بتأليف المسرحيات فإنهم بقوا في ذلك على صلة وثيقة بالمسرح العالمي بمختلف أصوله الأوربية والأمريكية. لكن مكانة الأجنبي في تلك المرحلة، وتحديداً خلال العقود الأخيرة للقرن التاسع عشر وامتداداً خلال العقود الأولى من القرن العشرين، تتعدى مسرحيةَ “البخيل” وعمومَ مسرح موليير لتتسع فتشمل بعض مسرحيي العصر الحديث الآخرين مثل كارلو غولدوني وريتشارد شيريدان ووليم شكسبير، والمسرح اليوناني القديم وغيره.
لقد تواصَلَ وجود هذا المسرح العالمي في الوطن العربي، وتأثيره في الكتابة المسرحية العربية عند أعلامها المعاصرين لمارون عبود وعند أعلام المراحل التالية من مسيرتها وتطورها، مثل فرح إنطون الذي كان مديناً فعلاً للمسرح الغربي. ومن هؤلاء محمد تيمور الذي قدم “مسرحيات ذات أسس أجنبية واضحة، فرنسية في الغالب الأعم، ولكن تيمور قد أجاد تمصيرها وقرّبها قرباً شديداً من الواقع المصري”([12]). وحتى حين أخذ هذا المسرح يكتسب شخصيته العربية وأصالته، فإنه بقي يتأثر بشكل كبير بالمسرح الغربي قديمه وحديثه، وهو التأثر الذي يظهر واضحاً في كل أجيال المسرحيين العرب. إن التعرف على بعض مَن عُرف عربياً وتُرجمت أو جُسّدت مسرحيات لهم من المسرحيين العالميين، ولا سيما الغربيين، يقدم لنا صورة تقريبية للمسرحية العربية في ضوء تأثرها بقرينتها الغربية.
لقد عرف العرب، إضافة إلى مسرحيي الإغريق القدماء: شيريدان، وشكسبير، وموليير، وتشيخوف، وبرنارد شو، وصموئيل بيكيت، وتينسي وليامز، وكامي، وسارتر، ويوجين أونسكو، وبرتولت بريخت. وهكذا يمكن أن نرى ظلال المسرح الغربي، بمختلف تياراته، في كل كتاب المسرح العربي بدءاً بتوفيق الحكيم بكل تجاربه وتجريباته، ومروراً بنعمان عاشور في استفادته من تشيخوف، ويوسف إدريس حتى في استفادته من التراث، وألفريد فرج في مسرحه التجريبي، وشوقي عبد الحكيم ونجيب سرور ورشاد رشدي في مسرحهم المعتمد على توظيف الموروث الشعبي، وسعد الدين وهبة واستفادته في مسرحه السياسي– الاجتماعي والفنطازي من المسرح الروسي الذي يرى علي الراعي أنه يُلقي بعض ظلال مسرحياته عليه، وانتهاءً بسعد الله ونّوس وممدوح عدوان ونور الدين فارس ومحيي الدين زنكنه وغيرهم من المعتمدين على الأشكال المسرحية الغربية الحديثة والمعاصرة([13]).
ولا يكاد يختلف كثيراً كلامنا عن المسرح الشعري عما قلناه عن المسرح النثري، كما يتجسد ذلك في مسرح أحمد شوقي وخالد الشواف وعبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور ومعين بسيسو وسميح القاسم.
في آخر فقرات حديثنا القصير هذا عن المسرحية العربية في تأثرها بالمسرح الغربي، نتوقف عند توفيق الحكيم. ويأتي توقفنا عنده لأنه، كما نعلم، أبو المسرح العربي المكتوب، وبه صار للمسرحية العربية مكانة إلى جانب الفنون أو الأجناس الأدبية الأخرى في الأدب العربي الحديث بعد أن خرج أكثر من غيره بالمسرح من هيمنة شبه مطلقة للترجمة والإعداد إلى الكتابة العربية. ولعل مما يُكسب هذا الكاتب أهمية أكثر أنه كان أول من تجرأ على التعامل مع المسرح على أنه نوع من الكتابة الأدبية. لقد تهيأ لهذا الرائد أن يفهم هذا الفن كما يجب حين اقترب منه ومن تجاربه في فرنسا، خصوصاً من خلال ما رآه محقاً من تداخل عالم المسرح وعالم الأدب، وهو الأمر الذي تجسّد له في المسرح الإغريقي.. مسرح سوفوكليس ويوربيديس وأريستوفان وغيرهم، فتبناه هو نفسه وجسده. والواقع في تعرف الحكيم على أصول المسرح عموماً برز أمامه سؤال هو: “أليس من الممكن أن نعرض على المسرح المادي أمام النظارة تراجيديا إغريقية مدثرة في غلالة من العقلية العربية يبدو فيها الصراع بين الإنسان والقوى العليا الخفية دون أن يتجرد الفكر فيها إلى حد يلحقها بالنوع الذهني من المسرحيات؟”([14]). وحاول الحكيم الإجابة على هذا السؤال بإخضاع مسرحية سوفوكليس “أوديب” للاختبار وتقديم رؤية خاصة من خلال عمل كتبه بما يشبه المعارضة للمسرحية اليونانية، وبما يعني، تعلقاً بموضوعنا، التأثّر العميق للحكيم بالمسرح الإغريقي خصوصاً والغربي عموماً. وعلى أية حال هذه (المعارضة) لم تتوقف عند هذه التجربة، بل امتدت لتشمل مسرحيات أخرى له مثل “بجماليون”. ولم يتوقف تأثير المسرح الإغريقي بالطبع على تجارب توفيق الحكيم هذه، من خلال إحدى أهم موضوعاته المركزية، (صراع الإنسان مع القوى العليا المختلفة)، بل هو امتد إلى أبعد من ذلك ضمن التأثير الغربي فيه، وتحديداً في كتابة المسرح الذهني. كما يجب أن لا ننسى، ونحن نكتفي بهذا التعرض للحكيم أن مسرحه، تأثره باتجاهات وتيارات أخرى وكتّاب مسرح آخرين. كما لم يتوقف هذا التأثير الغربي في المسرح العربي على الحكيم، بل هو امتد ولا يزال ليشمل عموم الكتابة المسرحية العربية مما لا مجال للتفصيل فيها، وعموم كتّابها مما لا مجال للتعرض لهم هنا.
*
وبعد ..
فعدا الشعر والرواية والقصة والمسرحية، التي حاولنا أن نرسم بها أجزاء الصور البانورامية للأدب العربي الحديث في ضوء تأثّره بالآداب الأجنبية، وتحديداً الغربية، لا يبقى من أجزاء هذه الصورة غير ما هو متعلق بالمقالة التي تحتاج إلى تتبع دقيق وكبير وصبر وجهد غير عاديين مما لا يمكن لمقدمتنا توفيره، خصوصاً ونحن نعتقد أنها أقل الفنون العربية حضوراً وأقلها تأثراً. أما النقد فترددنا كثيراً في شموله بوقفاتنا، قبل استبعاده، لأنه حقلاً يخرج عن اهتمامات الأدب المقارن أولاً ، ولأن الأدب المقارن هو ذاته، من وجهة نظر معينة نقد ثانياً، ولأن تناول النقد والتناول النقدي بالفحص والدراسة هو من اختصاص (نقد النقد) ثالثاً.
وختاماً لمقدمتنا العامة أو البانورامية هذه لنا أن نقول بثقة، وكما نعتقد أن القراء يلاحظون، إن التأثيرات الأجنبية، الغربية بشكل خاص، هي أكثر وأكبر من أن تغيب عن رؤية أي دارس، مقارناً كان أو غير مقارن، بل أي قارئ في أي من فنون الأدب الحديث، وأنّ كلاًّ من هذه الفنون ليستحق وقفات ودراسات مقارنة مستقلة، لعل مقدمتنا هذه تسهم في فتح أبواباً إليها.
مراجع الدراسة :
-إبراهيم السعافين: تطور الرواية العربية الحديثة في بلاد الشام 1970-1967، منشورات وزارة الإعلام، بغداد، 1980.
-د. إحسان عباس: بدر شاكر السياب.. دراسة في حياته وشعره، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1992.
-د. أحمد عثمان: المصادر الكلاسيكية لمسرح توفيق الحكيم، الشركة العالمية للطباعة والنشر (لونجمان)، 1993.
-د. حسام الخطيب: سبل المؤثرات الأجنبية وأشكالها في القصة السورية، دمشق، 1974.
-توفيق الحكيم: الملك أوديب، مكتبة الآداب للطباعة والنشر والتوزيع، 1998.
-د. خليل الموسى: المسرحية في الأدب العربي الحديث، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1997.
-د. عبد الإله أحمد: الأدب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية.. اتجاهاته الفكرية وقيمه الفنية، منشورات وزارة الإعلام، بغداد، 1977.
-عبد الجبار عباس: السياب، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، د. ت.
-د. عبد المحسن طه بدر: تطور الرواية العربية الحديثة في مصر 1870-1938، دار المعارف بمصر، 1968.
-د. عبد الواحد لؤلؤة: النفخ في الرماد، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1982.
: البحث عن معنى، مديرية الثقافة العامة، بغداد، 1973.
-د. علي الراعي: المسرح في الوطن العربي، عالم المعرفة 248، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت ، ط 2، 1979.
-د. محمد غنيمي هلال: الأدب المقارن، دار الثقافة ودار العودة، بيروت، (د. ت).
-د. محمد يوسف نجم: القصة في الأدب العربي الحديث 1870-1914، دار الثقافة، بيروت، (د. ت).
-د. نجم عبدالله كاظم: الرواية في العراق 1965–1980 وتأثير الرواية الأمريكية فيها، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1987.
- : “كافكا في الرواية العربية والسلطة والبطل المطارد”، مجلة جامعة دمشق للآداب والعلوم الإنسانية، ع1و2، 2010.
-يوسف الصئغ: الشعر الحر في العراق منذ نشأته حتى عام 1958، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2006.
[1] ) يوسف الصائغ: الشعر الحر في العراق منذ شأته حتى عام 1958، ص222.
[2] ) عبد الواحد لؤلؤة: البحث عن معنى، ص210.
[3] ) انظر المصدر السابق، ص310.
[4] ) انظر تفصيل هذا في: المصدر السابق، ص167- 225؛ والمؤلف نفسه: النفخ في الرماد، ص169؛ وعبد الجبار عباس: السياب، ص149- 213.
[5]) انظر: إحسان عباس: بدر شاكر السياب.. دراسة في حياته وشعره، ص520-560.
[6] ) د. إبراهيم السعافين: تطور الرواية العربية الحديثة في بلاد الشام، بغداد 1980، ص469.
[7] ) د. نجم عبدالله كاظم: الرواية في العراق 1965-1980 وتأثير الرواية الأمريكية فيها، بغداد، 1987، ص196.
[8] ) د. نجم عبدالله كاظم: “كافكا في الرواية العربية والسلطة والبطل المطارد”، مجلة جامعة دمشق للآداب والعلوم الإنسانية،ع1و2، 2010.
[9] ) انظر المصدر السابق.
[10] ) د. حسام الخطيب: المؤثرات الأجنبية وأشكالها في القصة السورية، دمشق، 1974، ص111 ــ 113.
[11] ) انظر: د. خليل الموسى: المسرحية في الأدب العربي الحديث، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1997، ص13-14.
[12] ) د. علي الراعي: المسرح في الوطن العربي، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، 1979 ، ص72.
[13] ) انظر المصدر السابق، صفحات كثيرة.
[14] ) توفيق الحكيم: الملك أوديب، مكتبة الآداب للطباعة والنشر والتوزيع، 1998.