مقدمة كتاب رواية الفتيان

مقدمة كتاب رواية الفتيان

( 1 )
لا أذكر أين قرأت للروائي والمسرحي الفرنسي الشهير والحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1952 فرانسوا مورياك قوله: إن من بين كل التهاني التي تُقدَّم للكاتب، هناك تهنئة خاصة تجعله يحلّق سروراً، وهي أن يُقال له: “إنك موضع إعجاب كبير من لدن الصغار”. وإذا كان هذا ينطبق على من يكتب للأطفال وتأتيه مثل هذه التهنئة على هذا العمل تحديداً، فإن الكتابة للأطفال عموماً، برأينا، هي مصدر سرور لكتّابها. ونعتقد أن هذا ينطبق، إلى حد كبير، حتى على مَن يتعامل مع أدب الأطفال نقداً ودراسةً، كما نفعل نحن في هذه الدراسة. فالكتابة للأطفال وعنهم، برأيي، كما هو الاهتمام بها بل بهم، انطلاقاً من أي تخصص، هي مصدر سرور ولذة غير عادية أصلاً. هذا، على الأقل، ما أحسسته وعشته وأنا أشتغل على هذه الدراسة، بالرغم من كل التعب الذي تحمّلته في سبيل الوصول بها إلى أفضل ما كان ممكناً أن تصل إليه، خصوصاً وأنا، أولاً، أكتب هنا في موضوع له علاقة بشكل ما باهتمامي الأصلي وهو الرواية، وأعتقد، ثانياً، بأنني أكتب في ما لم يسبقني أحد إليه بهذه السعة عربياً، من موضوعات أدب الأطفال والفتيان وفروعها، أعني الكتابة عن (رواية الصغار) أو (رواية الفتيان) تحديداً، فلم أجده بحدود قراءاتي إلا ضمن دراسات أشمل. وقد يُفسِّرُ، بعضَ هذه المتعة والسرور، طبيعةُ المادة المدروسة وعلاقتُها بالإنسان، وتحديداً في مراحل حياته الأولى، الطفولة والمراهقة، من قصص وأشعار وأشكال أخرى موجَّهة للأطفال. فكما أن القليل فقط من تجارب طفولتنا ومراهقتنا لا يترك أثراً فينا، فإن القليل فقط أيضاً مما نقرأه في طفولتنا لا يفعل ذلك. وصحيح قول هنري كومانجو: “إن المرأ في سن النضج ينسى الكتب التي يقرأها، ولكن قصص الطفولة تترك أثراً لا ينمحي”([1]).
تعلقاً بالدوافع والمسوغات المنهجية والبحثية، يتمثّل دافعي الأول في أن أصل الموضوع يعود إلى حبي للأطفال ولكل ما يتعلق بهم بما في ذلك متابعتهم والقراءة عنهم، خصوصاً وقد درَستُهم تربوياً وسايكولوجياً ضمن دراستي للتربية وطرق التدريس، ونلت فيها دبلوماً عالياً. الدافع الثاني، وهو متعلّق بالأول أو امتداد له، يتمثّل باستمتاعي واهتمامي المبكر أيضاً بأدب الأطفال قراءةً ومتابعةً وجمعاً له ولِما يُكتب عنه والذي تكلل بقراءات مكثفة له، ولاسيما القصصي منه في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. أما الدافع الثالث، الذي هو المسوّغ العلمي لاختيار موضوع الدراسة تحديداً، فيتمثل في ما وجدناه من عدم الالتفات جدّياً ونقدياً وأكاديمياً، على المستوى العربي، لـ(رواية الفتيان) أو المراهقين على كثرة ما كُتب فيها وفي أدب الأطفال عموماً. وهكذا صارت هي، بهذا التحديد الضيق، موضوع الدراسة، قبل أن أجد نفسي مضطراً لقبول الحضور الجزئي فيها لـ(رواية الأطفال)، ولكن مع عدم التخلي عن مركزية الأولى فيها، بعد أن وجدت صعوبةَ الفصل، عربياً تحديداً، ما بين رواية للأطفال وأخرى للفتيان. هذا يعني أن النصوص، التي اهتمت بها الدراسة، بتحديدها الذي صارت عليه، نصوص موجهة غالباً للفئات العمرية المتأخرة من فئات الأطفال، كما سنأتي إلى توضيحها في التمهيد والفصل الأول. وفي المستوى نفسه من التقارب بل التداخل، سيكون من الصعب، ونحن نتناول روايات الأطفال والفتيان، الفصل فصلاً حاسماً ودائماً بين الرواية والقصة، وهي صعوبة، على أية حال، يواجهها أحياناً حتى دارسي رواية الكبار. وعليه لن يكون، برأيي، من مفر من هذا، خصوصاً وأنه لا يشكّل، عندنا، خللاً منهجياً، ببساطة لأن التداخل بينهما موجود في أصل النصوص. ومما يتوافق مع هذا منهجياً أن (القصص) في أدب الأطفال والفتيان literature for children and young adults لم تُقسم جنسوياً بين (قصص قصيرة) و(روايات)، كما هو الحال مع قصص الكبار، بل هي جميعاً مدرجة، في هذا الأدب، ضمن (القصص)، لكن هذه القصص مقسمة هي ذاتها، على الأقل مكتبياً وببليوغرافياً وضمن أجناس أدب الأطفال وصغار الراشدين، التسعة وفق بعض الرؤى، إلى أربعة أنواع مع خامس ضمني، كان يُفترَض أن تندرج جميعاً ضمن دراستنا([2]). هذه الأنواع هي: الفنطازيا، وقصص الخيال العلمي، والقصص الواقعية، والقصص التأريخية. لكن واقع ما متحقق في رواية الأطفال والفتيان العربية في العراق جعلَنا نأخد من هذه الأنواع اثنين رئيسين، هما: أولا (روايات الخيال العلمي)، وثانياً (الروايات الواقعية) التي ملنا إلى تسميتها بـ(روايات المغامرات الواقعية)، تفريقاً لها عن القصص الفنطازية (الجامحة الخيال) التي سنتوقف عندها وعند بقية الأنواع أو الأشكال وقفات قصيرة كونها لا تشكل عربياً اتجاهات أو أنواعاً منظورة.
وأخيراً يأتي دافع أو مسوغ آخر، إنْ لم يكن مهماً جداً لغيرنا من القراء او الباحثين العرب، فإنه يكتسب أهمية قد تكون استثنائية لنا بوصفنا عراقيين، مع ما قد ينطبق منه على أقطار عربية أخرى، ونحاول أن نوضحه في الأسطر الآتية: ففي ظل السياسة التي سادت في العراق، في العقد الأخير ولكن دون إنكار شيء منها قبل ذلك، لإلغاء كل إنجاز حضاري وفكري وعلمي وثقافي تحقق قبل الاحتلال عام 2003، يأتي التغييب القسري لكل ما قدمته مؤسساتٌ وأقلامٌ وعقولٌ في مختلف المجالات. ومن أنصع الأمثلة على هذا عندنا أنشطة ثقافة الأطفال بمؤسستها الرئيسة (دار ثقافة الأطفال)، وببعض دور نشر هذه الثقافة، وبكُتّابها، خلال أكثر من ربع قرن، الأمر الذي نجده يحتم لفت الأنظار إليها، ونأمل أن يفعل ذلك بعضُ ما نقدمه في هذه الدراسة.

( 2 )
وإذا كان أدب الأطفال والفتيان، ولاسيما القصصي والروائي منه، قد أينع متواضعاً عندنا، نحن العرب والعراقيين، بداية القرن العشرين، ولم يشهد ازدهاراً حقيقياً إلا في الربع الأخير منه، فإنه قديم عالمياً، بحيث قد يعود إلى القرن الثامن عشر، كما سنأتي إلى ذلك في التمهيد وفي مواضع أخرى من الدراسة. وإذا ما أشّر هذا ما يشبه العيب أو النقص في تراثنا الأدبي والتربوي والثقافي، فإن الأهم من هذا هو أننا دخلنا المضمار عربياً وعراقياً مبكراً نوعاً ما من الناحية التاريخية، كما فعل عربياً أدباء كبار مثل أحمد شوقي وكامل الكيلاني وغيرهما، وكما فعل بعض العراقيين ابتداءً من عشرينيات القرن، إذ “انتشرت بواكير هذا الأدب ومحاولاته الأولى، التي جرت على [كذا] أقلام الأدباء العراقيين، على صفحات مجلة (التلميذ العراقي) التي كانت أول مجلة مخصصة للأحداث والتلاميذ تصدر في العراق”([3]).
ولأننا لا نريد أن نطيل في هذا الموضوع، كونه ضمن موضوعات متن الدراسة أصلاً، فإن ما تهمنا الإشارة إليه باختصار هنا هو ليس أدب الأطفال والفتيان بل الكتابة عنهما. فقد ظهرت أوائل الالتفاتات العربية الجادة إلى هذا الأدب نقدياً وبحثياً وأكاديمياً في النصف الثاني من القرن العشرين ولاسيما في مصر في الفترة المحصورة بين عام 1966، حين بدأت الدراسات الجادة لأدب الأطفال وصحافتهم ومسرحهم تظهر تباعاً مع تزايد مطرد خلال السنوات التالية، وعام 1973 الذي شهد عقْدَ الحلقة الدراسية (كِتاب الطفل ومجلته). فخلال تلك الفترة والسنوات القليلة التالية لها ظهرت كتب ودراسات ومقالات عديدة لكُتّاب عديدين، لعل أهمهم: د. راجي عنايت، ود. رمزية الغريب، ود. هدى برادة، وسامي عزيز وحسين بكار، وعلي الحديدي وآخرون. أما عراقياً فكانت بداية الاهتمام الجاد بدراسة أدب الأطفال وصحافتهم ومسرحهم في منتصف السبعينيات، ومن خلال دراسات ومقالات ثم كتب لمجموعة من الكتّاب لعل أهمهم هادي نعمان الهيتي الذي نعدّه بحقّ رائد الدراسة الأكاديمية لأدب الأطفال في العراق، وفاروق سلوم، وسامي الزبيدي، وخلف نصار الهيتي وآخرون. والواقع أن مما دفع الدارسين العرب والعراقيين إلى الالتفات إلى هذا الأدب، هو، أولاً، اهتمام الغرب به قبلنا بمدة ليست قصيرة؛ وثانياً، التطور العام الذي شهده الوطن العربي، والثقافة العربية عموماً؛ وثالثاً، التطور والوعي التربويان بأهمية كتابات الأطفال والفتيان وصحافتهم وفنونهم؛ ورابعاً، ما شهده واقع كتابات أدب الأطفال والفتيان نفسها من تطور، كما نوّهنا، ثم أخيراً، الاهتمام والدعم الرسميان وغير الرسميين بثقافة الأطفال والفتيان وأدبهم وصحافتهم وفنونهم، وتبعاً لذلك بالكتابة عنها. فمع ما يُؤخذ على الجانب الرسمي في هذا من مركزية التوجيه والتسييس والتعبوية والاهتمام بالاتجاهات التي تخدم أصحابه من حكومات وأنظمة وأحزاب وتيارات فكرية وسياسية، يبقى للدعم الرسمي دوره الفعال في الدفع بهذا القطاع إلى الأمام، كما هو واضح في مراحل مختلفة في مصر وسورية والعراق، فالأردن والجزائر وبعض بلدان الخليج العربي. ولعل من طريف وجميل ما يُذكر هنا ما عبرت عنه الكاتبة الكبيرة سهير القلماوي مرة حين اطّلعت على أنشطة (دار ثقافة الأطفال) في العراق فقالت: “الآن أستطيع أن أطمئن على ما يقرأه أحفادي، بعد أن اطلعت على إصدارات دار ثقافة الأطفال في العراق”([4]).
قدّم الكُتّاب والباحثون العراقيون على مدى عقود عديدة كتابات تميزت كمّاً ونوعاً وقد تناولت مختلف مجالات الكتابة للأطفال: الأدب، والمسرح، والإذاعة والتلفزيون، والتاريخ، والأساطير، والعلوم.. وغير ذلك. وكان نصيب الكتابة الأدبية في ذلك كبيراً نسبياً، فقد تهيأ لهذا الأدب، وضمنه أدب القصة، كما أشرنا، دارسون قدموا للمكتبة دراسات كثيرة نسبياً لا تُنكر قيمتها، لاسيما في الوسط الأكاديمي، سواءٌ أكان ذلك من خلال رسائل الدكتوراه والماجستير، أم من خلال دراسات أخرى. ولكن إزاء الكم والنوع المتميزين في أدب الأطفال، وهذه العناية غير العادية التي أولاها النقد والدراسة الأكاديمية لذلك الأدب، خصوصاً في الفترة المحصورة بين نهاية السبعينيات وأوائل التسعينيات، تجذبنا ظاهرة غريبة بعض الشيء، تلك هي أن هذه الدراسات والنقود، إذ غطت مختلف فنون ذلك الأدب، وضمنه القصة، فإنها تكاد تخلو، إلا ما جاء ضمنياً، من الالتفات إلى رواية الفتيان والفتيات بوصفها فناً له خصوصية وبعضُ استقلالٍ فنيّ، بالرغم من وجود كم لا يُستهان به نسبياً من هذا النوع، كان يستحق مثل هذا الاهتمام. وما نقصده برواية الفتيان والفتيات هي تلك المتوجهة إلى الفتيان والفتيات، وتحديداً، وبلغة التقسيمات السايكولوجية والبايولوجية، الفئة العمرية الممتدة بين سنتي 13 و17، والتي تُسمى المرحلة المثالية، وقد تمتد إلى ما بين سنتي 12 و18، لتشمل بذلك أيضاً بعض الفئة العمرية الأبكر التي تُسمى بمرحلة البطولة، والفئة العمرية الأخيرة التي قد تُسمى الناشئة وإلى حد ما صغار الراشدين. ولكن مركزية عنايتنا تبقى هي المراهقة بمرحلتيها، (المراهقة الأولى 12-15) و(المراهقة الثانية 15-18)، كما هو واضح. ولكي لا يُفهم منا غير ما نريد بشأن العناية بهذه الرواية نقدياً ودراسياً، نقول كان هناك شيء من الالتفات والكتابة في هذا الشأن ولكنه كان غالباً، وكما أشرنا، ضمن دراسات لقصص الأطفال أو أدبهم بشكل عام. ولكننا، ومن خلال استقراء عدد من الكتب وعشرات من المقالات والأبحاث والفصول والمباحث، نسجل عليها الآتي:
-لا تدخل غالبية الدراسات التي تناولت أدب الأطفال العراقي، بل جميع ما اطلعنا عليه، في تغطيتها الزمنية، العقد التسعيني.
-ليس من تناولات نقدية تطبيقية شافية لأعمال مفردة منها، كما نجده في الكتابة النقدية والبحثية لأدب الكبار.
-ليس من التفات نقدي تطبيقي حقيقي في ما كُتب عربياً أو عراقياً إلى أدب الفتيان، بالرغم من وجود المنجز فيه.
-وضمن ذلك تكاد رواية الفتيان تختفي تماماً من هذه الدراسات أو غيرها، إلا ما جاء ضمن تناول القصص، وكأنْ ليس هناك من كتابة لهذا الشكل الكتابي.
نتيجةً واستجابةً لهذه الدوافع الذاتية والمسوّغات الموضوعية، تأتي دراستنا هذه لتولي هذا النوع، أم هل نقول الجنس الأدبي- رواية الفتيان- وضمناً رواية الأطفال، اهتماماً خاصاً وتناولاً ينطلق من رصد خصوصيته وخصائصه الفنية والموضوعية العامة نظرياً، أعني غير المتعلقة به في بلد عربي ولا في الوطن العربي عموماً، ولكن دون إنكار ارتباطه بالطبع بقصة الطفل عموماً كما قلنا، مع تناول المتحقق عربياً في العراق بوصفه نموذجنا التطبيقي. ولأن غالبية الدراسات السابقة لأدب الأطفال عموماً، ولقصصهم خصوصاً في العراق، لم تغطِّ هذا الأدب في العقدين الأخيرين من القرن العشرين إلا بشكل محدود من جهة، ولأننا لا نكاد نجد روايات فتيان في العراق قبل الثمانينيات من جهة أخرى، فقد غطت الدراسة هذين العقدين تحديداً، نعني الثمانيني والتسعيني، وربما رجوعاً إلى ما قبلهما، أي إلى نهاية السبعينيات، وامتداداً إلى ما بعدهما بقليل، أي إلى سنة 2003، يعني أن دراستنا تغطي عموماً أعمالَ ربع قرن ستدخل مختبرنا التحليلي النقدي.
انطلاقاً من شبه الغياب للدراسات النظرية والتطبيقية لهذا الأدب، كما أشرنا، كان من الطبيعي أن تكون دراستنا شاملة لجوانب الموضوع، بل أكثر من ذلك للتعريف به وللتنظيرات الواردة حوله أيضاً سواء غربيةً كانت أم عربية. وهكذا سنتناول ماهية هذا الأدب ونشأته وتطوره وأنواعه واتجاهاته، وخصائصه الموضوعية والفنية ومقوماته وعناصره، وكل ذلك على مستوى النظرية والتنظير، قبل الانتقال بها إلى التطبيق على نماذجنا العربية في العراق. ولكن لم يفتنا، قبل هذا، تناولُ جانب مهم، وهو إشكاليات التوصيل التي تواجه الكتابة للطفل والفتى مطبّقةً عندنا، بعد ذلك بالطبع، على قصص ورواية الأطفال والفتيان في العراق. وهي الإشكالية التي وجدناها تنشأ، خصوصاً في ظل ما يشبه الجهل، أو على الأقل الضعف في الاطلاع على هذا الجانب، في خلفيات العديد من كُتّاب الأطفال والفتيان. هنا يجب أن نعترف بأن شبه الجهل هذا قد يتوارى أو يقلّ تأثيره السلبي وفقاً لمستويات مهارات الكتّاب المتباينة في كتابة قصصهم ورواياتهم، ولأشكال تعاملهم مع عناصرها ومقوماتها المتمثلة خصوصاً في: الحدث والحبكة والبناء، والشخصيات والبطولة، والأفكار والموضوعات والقيم، والأسلوب واللغة، الزمان والمكان. ولكن إذا كان واضحاً أن المستويات المختلفة، للحِرفيّة والوعي والثقافة والتجربة لدى الكتّاب، هي التي كانت وراء تلك المهارات وأشكال التعامل وصولاً إلى مديات التوفيق في التعامل مع عناصر الرواية، ثم إلى مستويات التوصيل التي استطاعت أو لم تستطع تلك الروايات تحقيقها، فإن ما كان محط اهتمام الدراسة الرئيس من هذا كله هو طبيعة هذه العناصر كما تمثلت عملياً في الأعمال الروائية المدروسة، وإمكانيات التعامل معها، وهو ما نأمل أن تكون قد كشفت عنه. لهذا نقول من الطبيعي أن يُطالَب كُتّاب الأطفال والفتيان بدراسة علم نفس الطفولة والمراهقة، والاطلاع على طبيعة الطفولة ومراحلها، والتعرف عملياً وعلمياً وقراءةً على حاجات الطفل في كل مرحلة وصولاً إلى تحديد ما يتناسب، كتابةً وإبداعاً، مع كل مرحلة. ولكننا يجب أن نعترف أيضاً بأن غالبية كُتّاب الأطفال عالمياً وعربياً يعرفون، في السليقة والحس والتجربة الحياتية، بعض طبيعة الأطفال ومراحلهم وما يتناسب كتابةً مع كل عمر وفئة من أعمارهم وفئاتهم. ولكنْ، هل هذا متوفر عند كُتّابنا؟ هذا ما نأمل أن تكشف عن شيء منه دراستنا.
وكان علينا، في ضوء كل ما مر أن نختار المنهج الذي نراه أنسب لدراسة رواية الفتيان، بل أدب الأطفال عموماً. هنا وجدنا أننا نميل إلى اعتماد منهج (نقد استجابة القارئ)، ولكن مع عدم التردد في الاستعانة بمناهج أخرى عند الضرورة لنقترب في هذا من المنهج التكاملي.

( 3 )
خطة الدراسة قامت على أساس توزيعها على ستة فصول يتقدمها تمهيد تكلمنا فيه عن أدب الأطفال عموماً والقصصي منه خصوصاً مفهوماً وفروعاً وخصوصيةً ونشأةً وتاريخاً، مع توقف ضمن ذلك عند رواية الفتيان، ولماذا هذه الرواية؟ ثم عن اختلاف دراستها عن دراسة رواية الكبار، وعن الموقف النقدي منها.
بِدءاً بالنظرية والتنظير، تناولنا في أحد فصليها، نعني الفصل الأول، (خصوصية رواية الفتيان وخصائصها)، وضمن ذلك متطلباتها التي فرضت أن نبحثها، من خلال مباحث الفصل، من خلال ما يأتي: المرسِل أو الكاتب، والرسالة أو النص الروائي، والمستقبِل أو القارئ المتلقي الذي كان توقفنا عنده بشكل خاص ضرورياً لخصوصيته، ومتطلبات أدبه وروايته التي قادتنا إلى البحث في مدى ملاءمة هذا الشكل للأطفال في مختلف الأعمار، ولاسيما مرحلتي المراهقة.
الفصل الثاني مكمّلٌ، في النظرية والتنظير، للفصل الأول، وتناولنا فيه نظرياً (عناصر رواية الفتيان الفنيةُ)، ولقصة الفتيان والأطفال بشكل عام. وقد توزع الفصل على خمسة مباحث يتقدمها مدخل وتتناول الآتي: الحدث والحبكة والبناء؛ والشخصيات والبطولة؛ والأفكار والموضوعات والقيم؛ والأسلوب واللغة والحوار؛ والزمان والمكان/ البيئة.
قبل الانتقال للدراسة التطبيقية لرواية الفتيان في العراق، في الفصول الثلاثة الأخيرة، كان مرورنا بما يهيّئ لذلك من خلال الفصل الثالث الذي هو (رواية الفتيان في العراق)، حيث تناول مسيرة هذه الرواية وواقعها. فبدأنا بمدخل يوثّق، بشيء من الاختصار، لجذور مثل هذه الكتابة عربياً ونشأتها والتعريف بأهم مفاصلها ومراحلها وأعلامها. فمع خصوصية أية كتابة أو نشاط فني وفي أي قطر عربي، ليس من المنهجية والعلمية، في الوقت نفسه، فصل مثل هذه الكتابة والنشاط عن حاضنته الأكبر نعني عربيته، فالمؤلف أو المبدع، أولاً وآخراً، عربي وقارئ كتابته أو إبداعه عربي. أما مباحث الفصل فهي تتوزع على الآتي: نشأة رواية الفتيان ومسيرتها في العراق؛ وصولاً إلى ما نراها الحقبة الذهبية لها، مع التعريف بشكل أو بآخر بأعلامها، لاسيما أكثرهم كتابةً وإنتاجاً وانتشاراً وتميزاً فنياً، وربما أنضجهم استجابةً لمتطلبات هذه الكتابة ومتطلبات متلقّيها؛ ثم التأثيرات الفنية والموضوعية في رواية الفتيان بما فيها المؤثر الأجنبي؛ ثم توقّفنا أخيراً عند اتجاهات رواية الفتيان العراقية وأنواعها.
لأن اتجاهات رواية الأطفال والفتيان وأنواعها التي بين أيدينا، وتحديداً في اعتمادها بشكل أساس على طبيعة موضوعاتها، هي أقل عدداً من أن يحتل كل واحد منها فصلاً مستقلاً، فقد تناولناها في فصلين، فكان الفصل الرابع عن (رواية الخيال العلمي) الذي قدمنا له بمدخل ثم تناولناها في مبحثين الأول عن الماهية والخصائص والتاريخ، والثاني عن رواية الخيال العلمي في العراق. أما الفصل الخامس فكان عن (رواية المغامرات الواقعية واتجاهات وأنواع أخرى)، وواضح أننا تناولنا فيه، بعد مدخل قصير، ثاني الاتجاهَين (المغامرات الواقعية) في مبحث أول، و(الاتجاهات والأنواع الأخرى) التي هي أقل حضوراً من الاتجاهين الرئيسين السابقين، في مبحث ثان.
الفصلان الأخيران، السادس والسابع، سيعيداننا، ضمناً وجزئياً وبالضرورة، إلى بعض الفصول السابقة. فهما، في تناولهما تطبيقياً جوانب مهمة من دراساتنا، كما هي في أية دراسة مماثلة لنصوص إبداعية، نعني الجوانب الفنية للنصوص المدروسة، كان لا مناص من العودة فيه إلى مباحث وفصول سابقة تناولتْ خصوصية الجنس الأدبي الذي تنتمي إليه هذه النصوص، وعناصره الفنية، التي عدنا إليها هنا، عدا (الأفكار والموضوعات والقيم) التي تناولناها في الفصلين السابقين، لنتناولها تطبيقياً في تحليل الأعمال الروائية العراقية ولكن من خلال اشتباك بعضها ببعض لتكوّن وحدات أخرى تتوزع على مباحث الفصلين. وهكذا كان مبحثا الفصل السادس (أنساق السرد والتقنيات الفنية) في رواية الفتيان في العراق: أولاً، نسق التتابع- الأكثر استخداماً في رواية الفتيان، وسنتوقف فيه عند الحدث وما يتعلق ويرتبط به ولاسيما الزمان، وإلى حدّ ما المكان؛ ثانياً، الأنساق الأخرى والتقنيات، وضمن ذلك كان لا بد من وقفة ضمنية وصريحة عند الصراع والشد والتشويق. أما مباحث الفصل السابع (الشخصيات والأسلوب) في رواية الفتيان في العراق، فهي: أولاً، البطولة والشخصيات، وضمنه سنتوقف عند رسم الشخصيات وتقديمها؛ ثانياً، الأسلوب واللغة، وتعلقاً بها كان مرورنا على الوصف الذي قد يُهتم به كثيراً، لاسيما في أنواع بعينها من الروايات، والحوار؛ ثالثاً، العتبات، مع اهتمام خاص بالبداية أو الافتتاحية.
لقد كان من الطبيعي أن يهيمن بعض أعلام رواية الفتيان على دراستنا التطبيقية، استجابةً لهيمنتهم على واقع هذه الرواية على أرض الواقع. كما ينطبق الأمر على بعض أعمال هؤلاء الأعلام التي سيتكرر التوقف عندها في بعض فصول الدراسة. فأهم أعلام هذه الرواية الذين كان لهم شأن في حركة الكتابة الروائية للفتيان في العراق، وستقوم العديد من مفاصل دراستنا على نتاجاتهم الروائية، هم: خالد رحيم المطلبي، وعبد الرزاق المطلبي، وعبد الستار ناصر، ومحمد شمسي، وميسلون هادي، وإلى حد ما جعفر صادق محمد،، وصالح مهدي حبيب، ومحمد شاكر السبع، وبدرجة أقل آخرون. أما أهم الأعمال التي ستشكل المواد الأساسية لمختبرنا النقدي، فهي: “سر المختطف الغريب” لعبد الرزاق المطلبي؛ و”البطل الصغير” و”وادي النمور”، و”لصوص البحر” وكلها لمحمد شمسي، و”كوكب زمارون” لعبد الستار ناصر، و”الخطأ القاتل” لميسلون هادي، و”الفجوة الزمنية” لصالح مهدي حبيب، و”مذكرات بانكا” لخالد رحيم المطلبي؛ وإلى حد كبير: “أشباح الليل” و”القرصان” لمحمد شمسي، و”رجال الزمن المفقود” لخالد رحيم المطلبي؛ و”الممر السري” و”منزل الغرائب” لعبد الستار ناصر، و”الخاتم العجيب” و”سر الكائن العجيب” لميسلون هادي، و”رحلة البحارة الشجعان” لمحمد شاكر السبع؛ و”شيطان الغابة” لجعفر صادق محمد، و”قراصنة المجرة” لداود يوخنا يلدا. وإلى جانب هذه الأعمال، هناك أخرى، إن كانت أقل أهمية فإنها ستسند العمل التحليلي ورصد الظواهر والتوصل إلى النتائج.

( 4 )
شأن أي عمل جاد، كان من الطبيعي أن تواجهني في إنجاز هذا الكتاب بعض الصعوبات قد يرقى بعضها وقد لا يرقى إلى أن يكون معوّقات. ولأنني لا أريد أن أبالغ في هذا الشأن، كما يفعل الكثيرون، لاسيما في الأعمال الأكاديمية من أطاريح الدكتوراه ورسائل الماجستير، يجب أن أعترف بأن بعض هذه الصعوبات هي مما يلاقيه أي مؤلف أو تأليف، بينما كان البعض الآخر غير عادي إلى حد ما. وفي كل الأحوال كان عليّ أن أبذل الكثير لتذليل أكثر ما يمكن منها. وعموماً تمثلت الصعوبات ومعالجاتها في الآتي:
أولاً: ما ذكرته ضمناً سابقاً من أنني لم أكد أجد كتباً أو دراسات عربية تناولت روايات الأطفال والفتيان، إلا ما جاء منها ضمن كتب ودراسات تناولت ثقافة الأطفال أو أدبهم أو قصصهم عموماً، وكأن ليس لرواياتهم من استقلالية، جزئية على الأقل، وخصائص خاصة بها. وهنا أضيف إلى عدم عدّي مثل هذه الصعوبة معوقاً بالقول إنها كانت عاملاً مساعداً أو، بتعبير أدق، مسوّغاً ومحفزاً للكتابة في الموضوع، كما أشرت سابقاً.
ثانياً: الصعوبة الثانية تتمثل في الإلمام بعناوين الروايات التي أُعنى بدراستها، يضاف إليها صعوبة أخرى قرينة تتمثل في الحصول على ما يتأكد لي أنها روايات صادرة فعلاً. فلقد كان عليّ أن أبذل الكثير من الجهد لأصل إلى أكبر عدد منها، وهذا ما تحقق لي، ولكني سرعان ما اكتشفت أن الكثير منها غير صالح ليكون مادة لدراستي، إما لمستواه الهابط موضوعاً ومعالجةً وفناً، أو لأنه لا ينتمي حقيقةً للرواية بل للقصة وربما إلى أشكال أخرى. وفي النتيجة انفرزت من ذلك ما يقارب الخمسين عملاً كانت محط تناولي التحليلي والنقدي. وعلى أية حال، أعتقد أنها كافية نقدياً ومنهجياً لأن تقوم الدراسة عليها، بل هي كافية لأنْ تُعمَّم نتائجُها على غيرها مما ربما لم تصل يدايَ إليها، خصوصا وأنا أظن أن ما فاتني، وكان لا بد أن يفوت، شأن دراستي في هذا شان أية دراسة علمية أو نقدية أو أكاديمية أخرى، ليس بالكثير المؤثر. وسآتي إلى هذا الجانب مرة أخرى بعد قليل.
ثالثاً: ضمن ذلك واجهتني صعوبة في تحديد جنس بعض الأعمال أو ماهيّتها، عدا ذلك الذي أشرت إلى استبعاده في النقطة السابقة، وحتى تحديد مؤلفيها أحياناً، بسبب عدم إيلاء أصول النشر ومعلوماته اهتماماً من المؤلفين والمترجمين والناشرين. إن هذا صعّب عليّ اتخاذ موقف من بعض الأعمال، فهناك تجاوز بل عدم احترام للأمانة الأدبية أحياناً، وعدم إيلاء اعتبارٍ للحقوق الأدبية والفكرية للمؤلفين. فقد يبدو بعض الأعمال مترجماً أو معدّاً عن غيره أو مستوحىً من أصول معينة، بدون النص على شيء. من ذلك ما اعتادت ميادة نزار، على سبيل المثال لا الحصر، عليه من تثبيت اسمها على ما تنشره من كتب قصصية وروائية من الواضح أنها مترجمة، خصوصاً وأن لديها بعض الكتب ثبتت عليها ذلك، مثل “مغامرات في شارع هولي”، “وتل الأسرار”. وإزاء ما نُص على ذلك، مثل “سوسن والإنسان اللآلي” المقتبسة من رواية “أنا إنسان آلي” لإسحاق عاصيموف التي ترجمها صفاء صنكور ونصَّ على ذلك، هناك كتب قصصية وروائية غير ذلك وغير كتب ميادة نزار، من الواضح أنها مقتبسة عن روايات عالمية قد لا يُشار إلى الأصل المعتمد فيها. كما قد يبادر بعض المؤلفين، وكأنهم يعفون أنفسهم من المسؤولية أو اللوم أو النقد، إلى تثبيت إشارة (ترجمة وإعداد) على أعمالهم، كما فعل، مثلاً، منير عبد الأمير مع “الكنز”، أما ما هي طبيعة الإعداد ومن هو المؤلف، فيبدو أنه لا يشكل للمعد أهمية. وضمن الإعداد، هناك ما لا نعرف ما يعنيه ذلك كما هو حال “البحث عن مصباح علاء الدين” من (إعداد) عامر فتوحي. وأكثر من ذلك أننا نجد كتاباً مثل “التحدي الغامض” لخالد رحيم المطلبي، يصدر ضمن سلسلة اسمها “روايات علمية”، لنكتشف أنه مجموعة قصص قصيرة، واحدة منها قصة قصيرة طويلة لا يزيد عدد كلماتها على (3) آلاف كلمة.
رابعاً: وتعلقاً بذلك كله، يأتي ما قد لا يشكل همّاً إلا للدارس الجاد، ولاسيما الأكاديمي، من اضطراب في معلومات النشر الأخرى من حيث الناشر ومكان النشر وتاريخه، ورقم الطبعة الذي يفوّت عدم تثبيتها عنّا، معرفة تاريخ نشر الرواية أو الكتاب لأول مرة. كما تخلّت بعض المنشورات عن جودة الطباعة والإخراج والفنية، كما في ما كان يصدره أحد أبرز كتّاب الأطفال وأفضلهم في العراق محمد شمسي من سلسلة ليست جيدة الطباعة والإخراج الفني، عوضاً عمّا شابها أحياناً من العيوب السابقة من عدم النص على التأليف أو الترجمة أو الإعداد. هذا عدا ما تمتلئ به تلك الأعمال من الأخطاء النحوية واللغوية والإملائية والطباعية. وذلك كله إنْ هو برأيي إلا نوع من الاستهانة بالمتلقي الصغير وعدم تقدير أهميته بل عدم احترامه، وضمن ذلك استسهال التعامل مع ما يُقدم له بما في ذلك استسهال الكتابة له، وهي الظاهرة التي سأتعرض لها في ثنايا الدراسة.
خامساً: هناك عدم فهم دقيق لأدب الأطفال، وضمناً لأدب الفتيان، وأكثر من ذلك عدم فهم دقيق لأدب الخيال العلمي القصصي والروائي وفهمه كلياً على أنه أدب أطفال وفتيان، وهو الذي قاد بالبعض، مؤلفين ودارسين ومسؤولي نشر، إلى التعامل مع بعض قصص وروايات الخيال العلمي الموجهة أصلاً للكبار على أنها من أدب الأطفال والفتيان. ومثل هذا قادني إلى عدم تجاوز بعض الأعمال التي وجدتها أقرب إلى أدب الكبار منها إلى أدب الأطفال والفتيان، إن لم تكن من أدب الكبار تماماً، والتوقف عندها وربما التمثيل بها أحياناً. ولكني حرصاً على الموضوعية والدقة نوهت بذلك، كما هي أعمال سعد هادي، وصادق مهدي حبيب، وعامر فتوحي، وإلى حد ما بعض أعمال عبد الستار ناصر، وميسلون هادي.
أمام هذه الصعوبات و(المعوقات) كان إصراري على التذليل، وأعتقد أنني نجحت إلى حد كبير في هذا، الأمر الذي آمل أن يكون انعكاسه واضحاً على المنجز المتمثل في هذا الكتاب.
وتعلقاً بخطة الكتاب ومسوغاته وأهدافه كما بيّنتها من جهة، وبالصعوبات السابقة من جهة ثانية، ولاسيما صعوبة الإحاطة بالأعمال الروائية المدروسة ذاتها، وبما يعني ضمناً الصعوبة التي سيجدها قارئ كتابي، عادياً كاان أو ودارساً، في والوصول إلى الكثير من هذه الأعمال، وجدت أنه سيكون مفيداً جداً، وضمن ما سعيت إليه لتذليل تأثير بعض الصعوبات السابقة، ولاسيما صعوبة وصول القارئ للروايات المدروسة، أن أُلحق بالكتاب مجموعة من النصوص بوصفها نماذج من أهم ما تناولته تطبيقياً من الروايات. والواقع أن هذا ليس بالأمر الغريب أو الجديد ضمن هذا النوع من الدراسات، ولكن ما يختلف كتابي فيه عن غيره أن النماذج الملحقة مختلفة عن أية نماذج أخرى يُلحقها أي دارس بأي كتاب، كونها نصوصاً طويلة، وهذا ما أوقعني، في الواقع، في حيرة حرصت على الخروج منها بأقل التأثيرات السلبية المحتملة. فقد كان بودي، لكي تكون النصوص الملحقة كاملة الفائدة للقراء، عاديين ودارسين وأكاديميين، أن يكون عدد النماذج الروائية الملحقة ما بين خمسة وسبعة نماذج لتكون ممثّلة لإنواع الروايات المدروسة، بينما كان ميلي الذاتي هو أن يكون العدد ثلاثة. ولكن ما كان لكلّ من الخيارين، بظنّي، أن يكون مقنعاً وممكناً، لما يشكلّه من عبء على الدراسة من جهة، وما يكون عليه من حجم قد يساوي متن الدراسة ذاتها أو يزيد عليها في حال اعتماد الخيار الأول، أو أن يقصُر عن إتمام الفائدة المرجوة منه في حال اعتماد الخيار الثاني. وهكذا ملت إلى أن يكون حلاًّ وسطاً، إذ اخترت أربعة نماذج منها سعيت إلى أن تكون ممثلة لأنواع الروايات واتجاهاتها الرئيسة إلى حد كبير، وفي كل الأحوال هي بعض أفضل نماذجها. وهكذا كانت النماذج الروائية المختارة هي: “سر المختطف الغريب” لعبد الرزاق المطلبي، و”الممر السري” لعبد الستار ناصر، و”البطل الصغير” لمحمد شمسي، و”الخطأ القاتل” لميسلون هادي.
بقي أنني، تخفيفاً مما فقده التقليل في النماذج من فائدة، ألحقتُ بالكتاب فهرسةً لروايات الفتيان العراقية الصادرة في القرن العشرين، أو بالأحرى في ما لا يقل عن عقدين منه. وإتماماً للفائدة المتوخاة من هذه الفهرسة، سعيت إلى ترتيبها وفق عدة نُظُم، الأول وفق الترتيب الهجائي لأسماء المؤلفين، والثاني وفق الترتيب الهجائي لعناوين الروايات، والثالث وفق سنوات الصدور، والرابع وفق أطوال الروايات، والخامس وفق الأهمية، اعتماداً على معايير دراستي، والسادس وفق الاتجاهات والأنواع التي اعتمدَتْها دراستي.

( 5 )
أخيراً، وإذ أود أن أشكر في مقدمتي هذه كلَّ مَنْ هم وراء الاهتمام العربي غير العادي الذي نراه يتصاعد، في العقدين الأخيرين بشكل خاص، بثقافة الأطفال، الذي حفزني لاستكمال عمل كنت قد بدأته أواخر التسعينيات، وبسبب ظروف لست بصدد عرضها هنا، لم أكمله، لا يفوتني أن أتوجه بشكر وامتنان لدار ثقافة الأطفال في العراق لدورها الريادي في الكتابة للأطفال والفتيان ولأنها كانت وراء الكثير مما وصلتْ إليه يداي روايات الأطفال والفتيان بشكل خاص وكتب أدب وثقافة الأطفال بشكل عام، والشكر موصول في هذا الجانب إلى دار الكتب والوثائق الوطنية في العراق لإفادتي في الوصول إلى بعض الروايات الأخرى. كما لا بد من الاعتراف بجميل أولادي ذي يزن ويمان وهنادي وقبلهم وبعدهم زوجتي الروائية والقاصة الرائعة ميسلون هادي لأنهم جذبوني إلى هذا الأدب خلال الثمانينيات والتسعينيات، بل إن مكتبة أولادي كانت مرجعي المباشر الرئيس في قراءاتي وكتاباتي في هذا المجال. وأعتقد أن الشكر والاعتراف بالجميل لا بد أن يكون موصولاً لكتّاب ثقافة وأدب الأطفال وقصصهم ورواياتهم، وأخص بالذكر منهم، إلى جانب ميسلون هادي: خالد رحيم المطلبي، وعبد الرزاق المطلبي، وعبد الستار ناصر، ومحمد شمسي. والشكر ينسحب إلى بعض أهم دارسي هذه النتاجات أو أدب الأطفال والفتيان في العراق عموماً الذين ما كان لهذه الدراسة لتكتمل، بل ما كان لها لتكون بدون إسهاماتهم الرائعة، وأخص بالذكر منهم: جون أيكن، وجعفر صادق، وديان دواتفاير، وسمير روحي الفيصل، وليليان سميث، وطاهرة داخل طاهر، ونوري جعفر، وهادي نعمان الهيتي، وليليان سميث. وعسى أن يكون جهدي في مستوى ما تلقيته من هؤلاء. كما لا يفوتني أن أشكر بعض من ساعدني، إلى جانب بعض موظفي دار ثقافة الأطفال، في الحصول على بعض روايات الفتيان، ولاسيما تلميذيّ، الذين أشرف على رسالتيهما للماجستير، حلا حمزة وعلي طه، وأخيراً الباحثة نادية كريمي.. وما توفيقي إلا من الله.

أ د. نجم عبدالله كاظم
بغداد – آب 2012


[1] ) د. هنري ستيل كومانجو: التاريخ النقدي لأدب الأطفال، ترجمة حسن عبد المقصور، مجلة (الثقافة الأجنبية)، ص62.
[2]) See: Ashland University, http://libguides.ashland.edu/childlitgen
[3] ) د. جعفر صادق محمد: قصص الأطفال في العراق 1969-1979، إشكاليات البداية ووعي المستقبل، ص9.
[4] ) عبد الرزاق المطلبي: كيف تكتب قصة للأطفال؟، جريدة (الجمهورية)، 9/3/1989.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

حوار مع الناقد الروائي العراقي د. نجم عبدالله كاظم

حوار حصري مع الناقد الروائي العراقي د. نجم عبدالله كاظم9مايو 2023حاوره: د. سالار التاوْكوزيفي هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *