مقالات عائلة بندلي

عائلة بنلدلي، وأيقونة الزمن الجميل
د. نجم عبد الله كاظم
نزّلتْ إحدى الصديقات أغنيةً لـ(عائلة بندلي) ففجّرت في داخلي ذكريات بدأت ولم تنتهِ. وابتداءً أرجعتني الأغنية إلى يوم معرفتي لهذه العائلة الغنائية وأغانيها، وكان ذلك أواخر عام 1975 حين كنت في بداية عملي بمديرية الثقافة العامة، التي سيصير اسمها بعد حين دار الشؤون الثقافية العامة، في وزارة الثقافة والإعلام، وكان مقر الوزارة حينها في ساحة التحرير وكانت تطل من نفس المبنى وعلى مقربة من الباب الرئيس مكتبة تابعة للوزارة تبيع مختلف أنواع الكتب، وكانت كتب الوزارة، على تدنّي أسعارها، تُباع لمنتسبيها بتخفيض 50%، وكنت قد اعتدت النزول من دائرتي كل بضعة أيام لأشتري من المكتبة بضعة كتب، وفي أحد الأيام نزلت ففوجئت بأحد العاملين فيها يشغل كاسيت أغاني فرقة جذبتني مباشرةً، ولم أسمعها من قبل، وحين سألته عنها قال هذه فرقة لبنانية جديدة تُدعى (عائلة بندلي)، وما كان مني إلا أن اشتريت شريطها في اليوم نفسه، ليبدأ شغفي بتلك الفرقة ويتواصل سنوات عديدة.
لمن لا يعرف (عائلة بندلي)، هي أكبر فرقة عائلية عربية إذ تكوّنت من (12) عضواً من عائلة طرابلسية، تسع أخوات وثلاثة إخوة، هم: دورا وميشلين ونادية وبولا ورنده ونورما وهانيا وسونيا وفاديا ورينيه وروجيه وفادي. اعتمدت في أغانيها كتابة وتلحيناً وغناءً على التجديد مع الأصالة، وجمعت ما بين النمط الخفيف الممتع والطربي الأصيل، ومن أشهر أغانيها: دو يو لاف مي، وعنّا جار، وشو حلوه الدنيي مع الهوا.
وبالنسبة لمكانة هذه الفرقة، لا نبالغ إذا ما قلنا هي تقابل في أوروبا فرقة (آبا) السويدية إلى حد كبير، في هذا النمط من الغناء وفي المكانة التي احتلتها. فكما أن زمناً بعينه في أوروبا، السبعينات والثمانينات، خصوصاً من منتصف السبعينات إلى بداية الثمانينات- ارتبط بفرقة (آبا)، فإن الزمن نفسه تقريباً، السبعينات والثمانينات، خصوصاً من منتصف السبعينات إلى ما قبل نهاية الثمانينات، ارتبط عربياً بفرقة (عائلة بندلي).
للعراقيين كان غالبية زمن (عائلة بندلي) جزءاً من أحلى عقد زمني يعيشه العراقيون في القرن العشرين وما بعد القرن العشرين، نعني سنوات 1969-1978، فقد كانت سنوات الاستقرار النسبي والسلام والجبهة الوطنية والديمقراطية النسبية، وسنوات الرخاء الاقتصادي النسبي ونمو دخل الفرد والدخل القومي وانتعاش السوق ورخص كل شي، وسنوات الفن الجميل والثقافة وكتب وزارة الثقافة والإعلام وانطلاق التلفزيون الملون وفرقة المسرح الفني الحديث، وسنوات التربية ومحو الأمية والتعليم العالي والجامعات والكليات الحقيقية التي لا يعرفها أساتذة وطلبة هذه الأيام والبعثات الدراسية، وسنوات احتل فيها العراق مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية في جميع الميادين من تربية وتعليم وتعليم عالٍ وصحة وبريد ورياضة وطيران مدني ونظافة ونمو دخل، سنوات المرأة وحقوق المرأة ونشاط المرأة وجمال المرأة، وسنوات الجواهري وطه باقر وأحمد سوسة وفرمان وعلي جواد الطاهر ومؤيد البدري وكامل الدباغ ويوسف العاني وخليل شوقي وسليم البصري وحمودي الحارثي وبدري حسون فريد عبد الرزاق عبد الواحد وعمو بابا وعلي الوردي ومائدة نزهت وعفيفة إسكندر وطالب القرغولي وفائق حسن وليلى العطار. وكانت سنوات الجمال والأناقة والتهذيب واحترام الآخر والشعر الرجالي الطويل والزلوف الطويلة والميني جيب والتشارلستون والقميص أبو المسطرة وألوان الملابس الفرحة التي تعبر عن البهجة والتفاؤل والحب والارتياح. كما كانت بحق سنوات ارتبطت أيضاً بـ(عائلة بندلي) أيقونةً لن تُنسى.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

رعب كافكوي في قصص يحيى جواد

رعب كافكوي في قصص يحيى جوادقراءة لمجموعة “الرعب والرجال” في ضوء المنهج النفسيمنشورةأ د. نجم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *