محنة كورو الهارب إلى هورشو من العمالقة


ميسلون هادي
رغد السهيل هي أستاذة جامعية، ودكتورة معنية بالفيروسات، ولهذا تحوّل هذه الخبرة المهمة إلى رواية، تقدم فيها العالم من خلال الفيروس نفسه (كورو)، وكورو هذا سيتنقل من مضيفه هارشو الخفاش، ثم يصل عبر مازن إلى بغداد، ليرى فيه نقائص الدنيا كلها.. سيسمع طقطات المسبحات، وتصرفات الأجيال كلها، الفوضى، المآدب، عدم التباعد، ويضيف كل عبارة يسمعها أو يراها إلى سجل المعرفة الخاص به، حتى تلك المكتوبة تحت نصب الحرية.. وسيتمكن من النجاة كل مرة على الرغم من هلاك الكثير من نسخه عبر آلاف الدورات.
إنها فكرة مهمة أن تقدم لنا رغد السهيل عالمنا المتناقض هذا، من خلال عيون كورو الفيروس، والذي يعتبر نفسه أرفع شأنا من البشر، لأن مادته الوراثية من نوع واحد، ولا يجمع نوعين في وقت واحد.. كما سيسخر من هوس إناث العمالقة بالتنظيف بشكل أثار الفزع في نفس كورو، فهن إذن من حقيرات المستوى الاول، وهو أنقى مضموناً من تلك الكائنات العملاقة، لأنه لا يفرز ما لا يعد ولا يحصى من الأوساخ والفضلات.. سيتمكن من النجاة في كل مرة، وسينسخ نفسه باستمرار، حتى يصل الدكتورة خلود، وهي واحدة من إناث العمالقة، ولهذا يقرر الإلتصاق بها أيضاً، واللعب على حاسبوها وشعرها ويديها، فمجرد ذكر اسمها يخيفه، لأنها تترأس سلالة الأنذال، وفقاً لرأيه، ومصرة على موقفها في القضاء عليه. الدكتورة خلود هي صورة من الروائية، وستنتقد العالم الذكوري الذي تعيش فيه، وتقول إنه من الأفضل لهذا العالم أن لا يقوده الديكة الذين لا يفعلون شيئاً سوى الصياح النرجسي كل صباح.
تستخدم رغد السهيل تقنية جديدة في السرد، حيث ترد بعض الرسومات البيانية وصفحات المسجات على الواتساب والماسنجر كما هي على شكل صور داخل الرواية، فنعرف من خلالها ما حدث في تلك الفترة من تعطل المدارس، وأحداث الناصرية، وهوس الفيتامين دي، والدروس الألكترونية، وعبوات الاوكسجين، والأقنعة الإلزامية، ومؤتمرات الزوم، ومشاهدة الأفلام بسبب الحظر المنزلي، وذوات الأردية البيضاء، وأصحاب الدموع الغزيرة، ووفاة الكابتن أحمد راضي. ونداءات الاستغاثة على صفحات الفيس بوك، وتحويل قاعات معرض بغداد الدولي إلى مشفى مؤقت للمصابين، وتظاهرات تشرين، وما حدث فيها من خطف وقتل، وكيف تسبب الفيروس بوقفها… إذن هذه الرواية من ضرورات الكتابة الأدبية، لأنها توثق لنا بطريقة مشوقة ومختلفة ما حدث في تلك الفترة العصيبة من تاريخ العالم، وتقدم الإنسان من وجهة نظر جديدة طريفة هي الفيروس نفسه، والذي يقول:
(راقني العالم هنا، ولمست فيه ملامح موطني (الغابة) لولا الضجيج المزعج، فقد كنت أسمع باستمرار هديراً مدوياً لمحركات ضخمة تنفث دخاناً أسود يصبغ السماء، وتبزغ منها أسلاك متشابكة متشعبة تمتد في فضاء الطرقات، وتتداخل مع بعضها، لتكوّن عقدا من شبكات عنكبوت ضخم في زوايا البيوت والأسواق). فهو يسمي المدينة بالغابة، لأنه يتعرض باستمرار لزالزل معرفية أثناء انتقاله من شخص لآخر، وكان يضيف كل مايراه إلى سجلات جيناته، كما أنه ينشطر بسرعة ويتكاثر، ويتكوم في العيون والمناخير، ليشهد على (دناءة الإنسان) وفق ما يراه منهم من إبادة له، حتى إنه يسمي الدكتورة خلود قائدة موكب الحقراء، لأنها تدير حملة ضده في صفحة التواصل الخاصة بها على الفيس بوك.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

فيروز التعويذة النادرة

ميسلون هادي لم يحدث في ظاهرات الفن العربي على مدى تاريخه أن أجمع وجدان المستمعين …