ماماتور باباتور – إيمان عبد الحسين

إشكالية الواقع المعاصر في الهدايا العشر

– February 1, 2016

جريدة الزمان

إشكالية الواقع المعاصر في الهدايا العشر

ماما تور بابا تور قصص ترسم صور الحياة

 ايمان عبد الحسين

 لا شك اننا نعيش اليوم داخل ثورة إيقونية تحكم واقعنا الثقافي والاجتماعي والسياسي ، ثورة ترتبط بالتقدم التكنولوجي، الذي يؤدي الى هيمنة التقنيات والوسائل المرتبطة في عالم البصريات، من ضمنها الاعلان، الذي من خلال خطابه المنمق بما يحتويه من الدلالات الرمزية تحاول الشركات المنتجة والمصدرة صياغة العالم بما يتلاءم ومصالحها ، اضافة الى انها تسعى من خلاله الى خلق عالما افتراضياً لجذب الفرد و تطويعه وإلغاء إرادته وتغير افكاره وقيمه ووجوده ، وتحويله الى اداة مستهلكة من اجل ربحها المادي ، فلا بد اذن من التهيؤ والاستعداد لمواجهة التحولات والتغيرات التي يبثها الاعلان، و محاولة الوقوف في مواجهة هيمنة ثقافته الاستهلاكية، التي سوف تدمر البشرية ،وان هذا الوضع اللامقبول واللامعقول لا بد ان يشكل قلقاً على المستقبل على الاجيال القادمة التي سينالها من التدمير الكثير .

هذا الجانب من الصورة في رأينا هو ما حاولت القاصة (ميسلون هادي) طرحه وتلخيصه والتاكيد عليه في قصتها (الهدايا العشر) ضمن ثلاث عشرة قصة من المجموعة القصصية الصادرة بالقطع المتوسط عن( دار الشؤون الثقافية العامة )،والتي تقع في 111 صفحة ، فمن خلال هذه القصة تسعى القاصة الى رسم أبعاد وملامح عالم اليوم، والكشف عن الحالة التي وصل اليها الوضع القائم، وتعرية البنى المجتمعية فيه، والوقوف على مكامن علة الانسان المعاصر، الذي يعيش حالة اغتراب عن عصره نتيجة انفصام بين الصورة الحقيقية التي عليها الواقع والوهمية التي تطرح عبر الاعلان وخطابه الذي قد أجادت القاصة في توظيفه حين جعلته مرتكزاً قوياً في القصة متخذة منه وسيلة واداة، ذلك باعتباره شكلاً فنياً يمثل نظاماً علامياً يخدم إيصال أفكارها التي تحاول فيها ادانة الحالة الوهمية التي تعيشها المجتمعات نتيجة تهالكها على المواد الا ستهلاكية، فتتحول الاعلانات في القصة إلى مصدر فاعل في تكوين الصورة التي وصل اليها الوضع الان ، من خلال استغلال خطابه في استجلاء وتعرية نظام اجتماعي وسياسي قائم ذلك لان الدلالات التي يفرزها الاعلان لها القدرة على التعبير عن اعمق مكنونات اشكالية الواقع المعاصر ، الذي تحاول القاصة عبرة كشف واستحضار العلاقة بين الاجيال الجيل الحالي وجيل المستقبل، ومحاولة ادانة الواقع الذي نعيشه الان، وان اختيار القاصة الاعلان ما هو الا اعتراف منها الى خطورة الوضع القائم وخطورة الوسيلة التي نرى الوضع من خلالها اي الاعلانات التي يظل الانسان المعاصر مستلبا امامها (الاعلانات كانت هي المفتاح المقدس الذي يستدير ويفتح الابواب امام كل البضائع حتى وصلت الى الحفاضات التي تستعمل للاوساخ البشر من الواضح ان الاموال كانت ترمى الى النفايات كما لو كانت اوساخا لا قيمة لها).

 وهكذا نرى ان القاصة على مدارالقصة تحاول اضاءة التناقض ما بين خطاب الاعلان ،الذي يبث مجموعة من الترهات مستغلا الفبركة اللغوية لعبارت خالية من الحقيقية من اجل إضفاء بريقٍ مصطنع على الحياة من اجل تجميلها الزائف، وما بين واقع المجتمع الحقيقي في ذلك الوقت الذي تبدو العلاقة بينهما متباعدة وغير منسجمة (ان القتال كان يدور قريبا من تلك المتاجر من اجل النفط والنفط كان يدور في مكائن تصنع تلك الترهات) من اجل ذلك يتوجب على جيل المستقبل الذين يعاني قلق نفاذ الماء، وعدم الاستقرار، محاكمة من يسبب ذلك وهم الاجداد الذين يسعون الى تدمير الارض وانهاء الحياة فيها: ( اثار جدهما الانسان المدلل وتقديمه الى المحكمة لتقليبه والتفكير فيه كدليل دامغ على الجريمة الشنيعة التي ارتكبها ذلك الانسان بحق الارض)، وعلى امتداد القصة تحاول القاصة من جهة ادانة انسان اليوم الذي تطلق عليه الجد المدلل الذي انصب جلّ اهتمامه في اعتماده الاستهلاك اسلوباً له  ، اضافة الى محاولته تغييب القضايا المهمة من اجل رغباته الذاتية، (اصبحنا نعثر على موارد الماء بشق الانفس ولا نغتسل الا مرة واحدة في الشهر وهؤلاء الاجداد المجانين يحولون الحليب والعسل الى رغوة للاستحمام) ،(حرمونا من الدفء الى الابد وعدنا نقضي الشتاء البارد القارس بلا وقود).

 ومن جهة اخرى تسعى القاصة الى ادانة طغيان خطاب الاعلان الذي يحاول المستفيدين من خلاله تغير القيم والافكار التي تؤدي الانسان الى الهلاك عن طريق نشر الثقافة الاستهلاكية عبره ، والذي يتمحور جزءا كبيرا من الاعلانات حول المراة واهتماماتها الزائفة وهي التي تطرحها القاصة ضمن مجموعة مؤلفة من الهدايا عشرالتي تبدو بصورة خاصة منحصرة في قنينة عطر وعلبة المكياج ومستحضرات العناية بالبشرة ودهونات ازالة التجاعيد والمراهم والاقنعة الخاصة والمغذيات والمرطبات واحمر الشفاه والة نزع الشعرغير المرغوب فيه وعلب تلوين الشعر والنظارة الشمسية للحماية من الشمس اما الهدية العاشرة فهي حقيبة سفر وان القاصة تؤمن ان من خلال إلقاء الضوء على الهدايا العشر سيساعد القاريء على قراءة الواقع الراهن ، وان من خلال زيفها ، لا بد ان يدان الاجداد ولا بد من محاكمتهم (انتهى عصر الجنون واصبح هذا المرض شيئا من الماضي في النهاية ستكفي هذه الهدايا العشر للاداناة )وان هذه الهدايا التي تبث من خلال الاعلان لم ينج حتى الرجل منها عن طريق استغلال رمزه ايضا للاعلان عن المواد الاستهلاكية الخاصة بالتدليك والحلل الفاخرة التي يرتديها (تقول خبيرة التجميل الخاصة بهذه الهدية ان عدد الرجال الذين يقصدون المعهد اصبح معادلا لعدد النساء )، الا ان في اعتقادنا ان الانحسار الاقتصادي الشديد والازدواجية بين الواقع الحقيقي والوهمي الذي نعانيه جعل من هذه الهديا العشر التي يحتاجها الواقع احيانا لتجميله والتي لا ضير في وجودها ، تصبح للاسف من الكماليات غير الضرورية ومن السلبيات التي باتت تهدد المستقبل.

  تلخيصا لما سبق اننا نستطيع أمام ذلك كله ان ندرك ان القاصة تبدو قلقة حزينة حزناً موجوعاً، وهي تحاول تقديم رؤيتها عن الواقع وفي استشرافها المستقبل، انطلاقاً من تصورها الذاتي الذي توجه فيه احتجاها و صرخة إيقاظ وطلقة مسددة باتجاه القصورالذي يسببه انسان اليوم من تدمير ولا سيما حسب معرفتي بالقاصة انسانة رقيقة تمتلك روحاً شفافة ، ولا بد من اجل ذلك عمل الآليات اللازمة لمجابهة الافتنان في هذا المعطى الذي يبثه الاعلان والوقوف أمامه بحذر متخذين الاحتياطات كافة لمواجهته من يقومون بالتحكم بعقول الفرد وتسيره احتماعيا واقتصاديا وسياسيا وفق أهداف مرسومة مسبقاً،التي حتما سوف ينال الجيل القادم من تاثيرها المادي والمعنوي وهذا ما حاولت القاصة طرحه نهاية القصة (المبعوث الثاني استوقفه بترفع وقال كمن يمزح لكن مهلا هل قرات لي صفات برج الميزان).

  • قصة الهدايا العشر منشورة في مجموعة ماماتور باباتور وهي قصص من الخيال العلمي.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداء.

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداءمن الأحداث الفارقة والمائزة في حياتي،هو اللقاء بالروائية المبدعة ميسلون هادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *