ماستر بيس

ماستر بيس
ميسلون هادي
في مرة من المرات عندما حكم بعض الـنـقـاد على بعض أعمال الـروائـي الشـهير «آرنست همنغواي» بأنها هابطة ولا ترقى إلى مستوى أعماله الكبيرة التي اهلته للفوز بجائزة نوبل كالشيخ والبحر، ووداعا للسلاح، ولمن تقرع الاجراس، انبری ناقد موضوعي وحصيف للدفاع عن هذه الاعمال «الهابطة» قائلا إنه لمن الظلم أن نثمن اعمال كاتب معينة أو نزرها قياسا إلى مستوى أعماله الكبيرة التي تتربع على القمة، لان النظراليها مقارنة بتلك «الروائع» سيجردها من ميزاتها البنوية الذاتية الخاصة بها وسيجعلها سيئة الحظ لمجرد أنها اخذت بجريرة تلك الاعمال «الرائعة»
أو لمجرد انها كتبت من قبل المؤلف نفسه.
والأمر نفسه تكرر مع «ماركيز» عندما كتب البعض يقول ان اعماله الروائية الاخيرة تفتقر الى السحر والتوهج الموجودين في أعماله الكبيرة مثل «الحب في زمن الكوليرا» و«خريف البطريرك» و«مائة عام من العزلة» وأن بعض تلك الروايات الاخيرة تقترب في مستواها من تقارير صحفية لا يتطاير منها الشرر لأنها مكتوبة بلا تأن ولا بريق.
ولعل هذا هو السبب الذي من أجله اصبح بعض الروائيين لايُذكرون إلا وتذكر معهم تحديدا تلك الروايات العظيمة التي اشتهروا بها فاقترنت اسماؤهم باسمائها ،كما يقترن اسم الاب باسم ولده البكر، فلا يُذكر نجيب محفوظ الا وتُذكر معه الثلاثية، ولا يذكر ريمارك الا وتذكر معه ليلة لشبونة، ولا يُذكر تولستوي الا وتُذكر معه الحرب والسلام، ولا يُذكر فلوبير إلا وتُذكر معه المدام بوفاري، ولا يُذكر فؤاد التكرلي إلا وتُذكر معه الرجع البعيد، وأحيانا تبالغ بعض دور النشر في تعظيم بعض هذه الأعمال وتقدمها للقراء على أنها اعمال فائزة بجائزة نوبل للآداب، فتطالعنا على أغلفة بعض الـروايـات الـعـالميـة الشهيرة مثل «الصخب والـعـنـف» و «زوربا» و«الشيخ والبحر» و«مائة عام من العزلة» عبارة تشير إلى أن تلك الروايات قد فازت بجائزة نوبل في حين أن هذه الجائزة كما هو معروف تُمنح الى كاتب معين من الكتاب الأحياء عن مجموعة الاعمال التي كتبها طيلة حياته،ُ ولا تمنح إلى عمل واحد من أعمال الكاتب فقط، كما هو شأن بعض الجوائز والمسابقات الادبية ذات التردد المحدود
الناشر ايضا يعجبه أن يتورط مع الناقد في «توريث» المؤلف، فيجعل من «بيضته» الواحدة هي الابن الشرعي الوحيد الذي يستحق أن يُفتخر به او يُشار اليه بالبنان بين باقي أعماله، ولو سألنا المؤلف نفسه عن تفضيله لعمل ما دون سواه مما كتبه من روايات لقال «كلـهـم ابـنـائي»، ولـوجـدنـاه ربما مسـتـغـربـا مـن وصـايـا الآخرين واحكامهم او لعلنا وجدناه يتعاطف مع الابن الاقل حظا ويخشى عليه من الاهمال
إن ابتلاء الكاتب بعمل واحد كبير قد لا يمنحه كما يعتقد البعض الفرصة للفت الانتباه إلى أعماله الاخرى الأقل شأنا، بل على العكس سيجعلها تصغر في عين القارىء التقليدي والنوعي على حد سواء، وربما تضمحل مع مرور الزمن وتنزوي إلى النسيان، واذا حدث ذلك فلن يكون صيت الابن المشهور مدعاة لاشتهار العائلة باكملها بل على الاغلب سيكون مدعاة لظلمها.
جريدة الرأي الأردنية. 2000

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

النصف الآخر للقمر

ميسلون هادي القادم من المستقبل قد يرى أعمارنا قصيرة، وعقولنا صغيرة، لأنها انشغلت بالصور المتلاحقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *