(( ليون الأفريقي ))لامين معلوف
بانوراما الانكسار العربي
ميسلون هادي
يعلن الكاتب أمين المعلوف دائماً عن إيمانه العميق بالإنسانية التي تقوم بشكل أساسي على روح التسامح فهاجسه في معظم كتبه هو الجمع بين الديانات و التوفيق بين الأخوة الأعداء , ويقول أيضاً في لقاء منشور معه (( كل ما اكتبه يهدف إلى الخروج من مفهوم الانتماء ومن الخضوع للواجب و التمتع بقدرة على نفض الطائفة و الأثنية و القومية , كل كائن بشري يجب ان يكون نقطة التقاء بين الثقافات و الأمم , لا أريد ان أكون منتمياً إلى أية حماية أو أية فئة أو أية طائفة .
لهذا السبب ربما يختار أمين المعلوف شخصيات تاريخية تشبهه في وقوفها على الحياد من الصراعات و التناقضات و الحروب الدائرة بين الطوائف و الجماعات و الأمم , كما تظهر ذلك عبر اختياره للشخصية الرئيسية في رواية سمرقند (( عمر الخيام )) وكما يتمظهر الآن عبر اختياره لشخصية (( حسن محمد الوزان )) في رواية ليون الأفريقي التي قدمتها لنا مؤخراً دار الشمس للنشر بترجمة الدكتور زهير مغامس وهو انجاز تستحق عنه الدار تحية خاصة ومضاعفة أولاً لحداثة العمل و أهميته و ثانياً لأنه يشكل اختياراً خارقاً للحصار الثقافي إزاء الندرة التي تعاني منها المكتبات العراقية هذه الأيام في وصول الكتب من خارج الحدود .
يقسم الكاتب روايته (( ليون الأفريقي )) إلى أربعة كتب هي كتاب غرناطة وكتاب فاس و كتاب القاهرة وكتاب روما ثم يقطع كل كتاب إلى عدد من السنوات تشكل بمجموعها إحدى وأربعين سنة هي سني عمر بطل الرواية وراوية أحداثها حسن محمد الوزان الذي ولد في غرناطة قبل سقوطها بثلاث سنوات , ثم هاجر مع من هاجر من أهله و المسلمين إلى فاس بعد سقوطها بيد القشتاليين ليعيش حياته بعد ذلك متنقلاً بين فاس و القاهرة ومدن الشمال الأفريقي حتى يأسره بحارة صقليون وهو في طريق عودته من حج بيت الله الحرام ويقدمونه هدية إلى البابا ليون العاشر في روما حيث يعمده باسم جان ليون الأفريقي ويلازم تلك المدينة لحين سقوطها بيد القشتاليين و اللوثريين الألمان , يعود بعدها إلى منفاه الأول في المغرب وهو يخاطب ابنه الذي أنجبه من زوجته الرومية قائلاً : مرة أخرى , يا بني , يحملني هذا البحر الذي هو شاهد هيامي كله ويواكبك الآن نحو منفاك الأول , في روما كنت ابن (( الأفريقي )) و في أفريقيا ستكون ابن (( الرومي )).
ان اسر هذه الشخصية من قبل البحارة الصقليين لم يكن أسراً اعتباطياً كما سيخبره البابا ليون العاشر لدى استقباله و تعميده فيما بعد وإنما قد جاب أولئك البحارة البحر لسنوات طويلة وهم يبحثون عن شاعر ومثقف ودبلوماسي عربي للقيام بمهمات دبلوماسية بين روما والدولة العثمانية , وعندما يتسلم خلفه (( كليمنت السابع )) سلطة البابوية يتأسف لان هذا المبعوث المثقف الشاعر والذي يجيد عدة لغات بينها العربية و التركية و القشتالية و الايطالية لم يكرس نفسه راهباً في خدمة الدين .
لقد اختار الكاتب سنوات الانكسار العربي زماناً لأحداث روايته وهي الفترة التي أعقبت سقوط الأندلس في عام 897 هجرية_ 1492ميلادية وقدم الشرق المفرط في حسيته و لا عقلانيته في فترة انكساره ة تناحره وانقساماته و تناقض ظاهره مع باطنه ويبدو ان اختياره هذه الحقبة بالذات من حقب التاريخ العربي جاء مقصوداً لإعطاء الأمثولة لما يمكن ان تؤول إليه الحضارة عند تغليب الصراعات الطائفية و العرقية و الدينية على التسامح و المحبة و التعايش بسلام وان تفكك الإمبراطورية العربية الإسلامية إلى دول متنافسة متناحرة نتيجة كثرة المذاهب و الفرق و الطوائف و تشعب الآراء و المذاهب هو الذي نال من وحدة السلطة و استمرارية الدولة ثم أدى بالتالي إلى مغيب هذه الحضارة .
ان هذا الاختيار هو الذي جعل الصحافة العربية تغمز قناة المعلوف كونه غازل الغرب بتقديم الصورة التي يردها هذا الغرب عن الشرق العربي ولكن قدر تعلق الأمر بهذه الرواية فان الكاتب كما يبدو , قد أسس عمله على نص حقيقي يرد ذكره في أكثر من مكان على لسان بطل الرواية هو (( وصف أفريقيا )) وهذه المخطوطة هي التي يودعها الرحالة محمد حسن الوزان انطباعاته وملاحظاته عن كل مكان جديد يحل فيه من الشمال الأفريقي وهي ستستخرج منها عين الروائي صورة بانورامية عن عادات المسلمين و أساليب معيشتهم وأصول شريعتهم و شعائر دينهم وكل تفاصيل حياتهم الصغيرة في ذلك الزمان حتى لايفوت الكاتب ان يأتي بالسور القرآنية و الأحاديث الشريفة التي تسند ما يحلله أو يحرمه الدين الإسلامي .
وفي روما يدور الحوار التالي بين الرسام روفائيل و الرحالة ليون الأفريقي:
-هل صحيح انه لا يوجد في بلدكم رسامون أو نحاتون .
- يحدث ان يرسم الناس أو ينحتون , بيد ان أي رسم متصور مدان لاه يعتبر تحدياً للخالق .
-إنكم تضفون على فننا شرفاً عظيماً حينما تضنون انه يمكن ان ينافس الخلق . - أليس صحيحاً ان مايكل انجلو قد أمر موسى بالسير أو الكلام بعد ان أتم نحته ؟
- ابتسم روفائيل بمكر :
- لقد قيل ذلك .
- ان ما يسعى أبناء بلدي إلى تفاديه هو ان يستطيع الإنسان ما ال ان يحل الخالق .
بهذه الطريقة المحايدة يقدم أمين المعلوف عادات الشرق إلى الغرب و بالطريقة ذاته يقدم طريقة المأكل و الملبس و المشرب و عادات الزواج و طقوس الختان و الصوم و الاستحمام و الموت , ويقدم انطباعته عن كل بلد يحل فيه إذ انه بحكم قدره في الترحال يجد نفسه دائماً مشدوداً إلى المصائر التي تعزز هذا القدر وتقف إلى صفه .. وطالما يخالفه المكان ينطلق باحثاً عن مكان جديد يشبهه يحتضنه بسلام حتى انه لا يجد صعوبة تذكر في التأقلم مع المجتمع الروماني و الذوبان فيه