لقاء مع ميسلون هادي في الزمان

القاصة ميسلون هادي:

معاناة الكاتبة في شخصنة أعمالها الادبية

رزاق ابراهيم حسن

بغداد

في هذا الحوار مع القاصة والروائية ميسلون هادي اسئلة ارادت (الزمان) طرحها على عدد من الاديبات العراقيات لاستطلاع ارائهن عن الادب النسوي بمختلف جوانبه واشكالياته، والقاصة والروائية ميسلون هادي اديبة معروفة اذ صدر لها في الرواية : ((الحدود البرية) . عمان 2004 و(العيون السود) عمان 2002 و(يواقيت الارض) عمان 2001 و(العالم ناقصا واحد) بغداد 1996وصدر لها في القصة (رومانس دمشق) 2000 و(لا تنظر الى الساعة بغداد) 1999 و(رجل خلف الباب بغداد) 1994 و(اشياء لم تحدث القاهرة) 1992 و(الفراشة بغداد) 1980 و(الشخص الثالث بغداد) 1985 وصدرت لها روايات للفتيان وهي (الطائر السحري والنقاط الثلاث) عمان 1995 و(الخطأ القاتل بغداد) 1993 و(سر الكائن الغريب) بغداد 1988 و(الخاتم العجيب) بغداد 1987 و(الهجوم الاخير لكوكب العقرب بعد) 1987 .

وفيما يلي نص الحوار مع القاصة والروائية ميسلون هادي:

{ اعتاد الباحثون والنقاد في العراق دراسة الادب النسوي من خلال السياق العام للأدب العراقي . فما هي سلبيات وايجابيات هذا التوجه؟

– لا اعتقد ان الادب النسوي قد دُرس من خلال السياق العام للأدب العراقي ولا اعتقد ايضا انه قد درس من خلال السياق الخاص بشكل معّمق ومنهجي ذلك لأن النقد العراقي قد خضع فيما مضى ضمن ظاهرة الاجيال وكانت اسماء الكاتبات تأتي ضمن هذه الاجيال فتصبح بين فكي رحى الادب الرجولي والنقد الرجولي ونادرا ما يأتي اسمها في المقدمة ضمن هذا التوجه النقدي الذي هو في ظاهره ابوي غير عدائي ولكنه في حقيقته لا يشعر بالارتياح لندّية المرأة في هذا المجال كما لا يشعر بالارتياح لهذه النّدية في كل مجالات الحياة. بعد ذلك، أي بعد (موضة) الاجيال ظهرت (موضة) الادب النسوي وانبرى الكثير من النقاد ، بعد الازدياد الملحوظ في عدد الكاتبات في الوطن العربي، الى دراسة هذا الادب والاهتمام الجاد به. وقد خدم هذا التوجه الجديد المرأة الكاتبة وسلط الضوء على جهودها المضنية التي كانت فيما مضى تنزوي في الظل من الادب الذي يكتبه الرجل، وميزة هذا الجهد النقدي انه وضع ادب المرأة في قطبية مع ادب الرجل ، وهذا أمر جيد ولكن الافضل من هذا وذاك، برأيي، ان تدرس الكاتبات كأسماء وكتواقيع وان ينظر الى تجربة كل واحدة منهن على حدة وهذا ما يفعله الآن الكثير من النقاد من ذوي الحس الثقافي العالي الذي لا يخضع لاملاءات مسبقة.

{ اذا كان الحديث عن الادب النسوي ممكنا في العراق فهل يمكن الحديث عن تاريخه؟

– اذا كان المقصدو بترايخ الادب النسوي هو مراحل تطوره فقد بدأ وجدانيا ذاتيا يتحدث بالعاطفة.. ولأن (ذات) المرأة في تلك المدة ، وهي بدايات القرن الماضي، هي ذات غير مشبعة بل وغير متحققة اصلا فانه من الطبيعي ان تأتي الكتابات ميلودرامية ومنكسرة وغير متوازنة. ولكن مع مرور الزمن وازدياد  عدد مدارس البنات وحصول النساء على الشهادات العليا وخروجهن الى العمل…الخ.

اصبحت هذه الذات اكثر توازنا واقتربت رؤية المرأة المتعلمة للحياة من رؤية الرجل المتعلم مع وجود الفوارق طبعا على مستوى العقل والعاطفة.

وخلال هذا التطور الكمي حدث التطور النوعي ايضا فنلاحظ من خلال المراحل التي مر بها الادب النسوي انه قد عبّر عن هذه التغيرات التي حدثت في المجتمع وكأنه المرأة العاكسة لها، شأنه شأن الادب الذي يكتبه الرجل، وهي تغيرات لايمكن فصلها او عزلها عن الواقع السياسي والاقتصادي للمجتمع لاننا نلاحظ بعد الحرب العالمية الثانية وانطلاق المشروع الثوري العربي ان ذلك قد انعكس بوضوح على وضع المرأة الاجتماعي في جميع المجالات، فشهدت الستينات والسبعينات ازدهاراً ملحوضا في هذا الوضع ثم عندما يصاب هذا المشروع بالضياع يحدث التراجع فتشعر ان المرأة هي تقويم يكتب عليه الآخرون انتصاراتهم وهزائمهم، وقديما قاس الفيلسوف العربي ابن رشد تقدم المجتمعات او تقهقرها بوضع المرأة فيها.

{ للادب النسوي في العالم ابعاد وتوجهات فلسفية فهل ينطبق ذلك على الادب النسوي العراقي؟

– في العالم المتقدم لا يمكن إعمام القول بوجود ابعاد وتوجهات فلسفية للادب الذي تكتبه المرأة ولا تعتقد انه اكثر عمقا وجدية من غيره…بل انك قد تقرأ رواية بألف صفحة ولا تصيب القارئ بالملل. وهناك مفارقة مفادها ان الكثير من النساء في انكلترا مثلا يعملن كبائعات في المتاجر ومحلات الملابس او في مجال السكرتارية والتمريض والتعليم والبنوك، اما المرأة التي لديها شهادة عليا فهي موضع تميّز وانتباه في حين انك تكاد لا تجد عائلة في العراق لا تضم مهندسة او طبيبة او استاذة جامعية، والآلاف من فتياتنا يحملن الشهادات العليا في شتى الاختصاصات وهذا يؤشر وضعا ثقافيا متميزا للمرأة العراقية بشكل عام بحيث نجد ان نسبة الباحثات والدارسات والمثقفات مرتفعة نسبيا قياسا الى النخبة الثقافية.

بينما المرأة المثقفة أكثر ندرة في الغرب ولكن لانها قد تقفز على الكثير من المحظورات الاجتماعية في طروحاتها يتكون الانطباع بأن الادب النسوي هناك ادب متقدم لانه جرى او مر في تناول شتى الموضوعات وهذه عقدة قد آن لها ان تختفي في اعقاب التحولات الحداثوية التي جعلت الادب يطرق موضوعات جديدة عن العلوم والكواكب والبيئة.

{ لكل ادب مواصفات خاصة فهل توجد مواصفات للادب النسوي العراقي؟

– وكأنك تقول بوجود رابط مشترك بين كل ما تكتبه الكاتبات العراقيات وهذا غير صحيح وغير ممكن.. فالتشابه موجود في دفاتر الانشاء التقليدية اما عند الحديث عن كتابات غير تقليدية فالتشابه يموت بين توقيع وآخر ولكن بشكل عام فالكاتبة مثل كل شيء هي إمرأة .. والمرأة لديها حس مستقبلي وقدرة على التبؤ لانها مبرمجة ومصممة للحفاظ على الحياة وإدامتها وترميم ما يخرّبه الرجل.. لذلك فان الادب الذي تكتبه المرأة غالبا ما يرتبط بتفاصيل هذه الحياة والتعلق باسباب بقائها لابأسباب الزوال.. وربما لهذا السبب فان المرأة تحزن لفقد الانسان باضعاف ما يحزنه الرجل .. وتبكي لهذا الفقدان باضعاف ما يبكيه الرجل.

{ من المعروف ان الاديبة غير مختلفة عن الاديب العراقي ثقافيا فكيف يحصل الاختلاف في النتاج الادبي؟

– اذا اعطيت تجربة خبرية واحدة لكاتب عراقي وكاتبة عراقية فان كل واحد منهما سيخرج بقصته مختلفة تماما عن الآخر بل ان هذه التجربة ستصبح محملّة بتاريخ كل واحد منهما على حدة.

والاختلاف الحاصل بينهما في التجربة الوجدانية والايديولوجية والحياتية قد لا يكون بسبب ان الذي يكتب القصة رجل او إمرأة وانما قد يختلفان كما يختلف رجلان في الافكار والرؤى والتوجهات مضافا الى هذا الاختلاف اختلاف حاسم ومؤثر هو العامل البايولوجي الذي يجعل المرأة تمتلك حساسية فائقة تجاه الاشياء تفوق حساسية الرجل، وفي هذا الصدد أي صدد اختلاف التجربة الوجدانية ، اذكر قصة لي عنوانها (الظل والراحة والماء) من مجموعتي الاولى (الشخص الثالث) وتتحدث عن فتاة تقلها سيارة اجرة للسفر من محافظة الى اخرى فتجلس في المقعد الامامي للسيارة ويجلس بقربها جندي يريد الالتحاق بوحدته العسكرية وفي الطريق تتضايق من وجوده بقربها لانه ينام فيسقط رأسه على كتفها، ولكن عند الوصول تكتشف ان هذا الجندي الذي تضايقت من تصرفاته كان ميتا طيلة الطريق.

هذه الفكرة اتفقنا انا والقاص الراحل موسى كريدي ، رحمه الله ، على كتابتها في قصتين مختلفتين وحقا تم ذلك وادت جذوره الستينية دورا في صياغة القصة التي كتبها بينما شددت قصتي بخيط من الترقب والكثافة ، وقد قام الزميل عادل كامل بنشر القصتين في مجلة الف باء وقتئذ وعد الكثيرون ان قصة موسى كريدي كانت افضل من قصتي وكان ذلك في بداية الثمانينات.

{ كيف نتعرف على التجربة النسوية في نتاجاتك الادبية؟

– في سن مبكرة كنت ساتضايق جدا من هذا السؤال وسأنفي بانفعال وجود الصلة بين ما اكتبه وبين الادب النسوي، او بالاحرى تصنيفه ضمن خانة الادب النسوي، الآن يستدعي السؤال نفسه هدوءاً اكثر بعد الابتعاد عن غلواء الشباب ونقص الخبرة، لذلك اقول ان (النسوية) هي جزء مني شئت ذلك ام ابيت .. وعندما اعبّر عن نفسي سافعل ذلك وانا افكر كامرأة لا كرجل. وفي الكتابة لا توجد اسرار… انت تفتح رواية او قصة لي فتتعرف على ملامح هذه التجربة ربما في طبيعة المكان الذي تدور فيه احداث اغلب اعمالي وهو (البيت) الذي يكاد يكون القاسم المشترك الذي تتعرف من خلاله على كل الصراعات والاحداث التي تدور في الخارج. وهنا تجدر الاشارة الى ان بعض النقاد يقولون بأنه (لاسبيل الى وعي الاخرين) بمعنى انك لا تستطيع ان تعرف كيف يفكر الآخرون فكيف تقدم المرأة رجلا في اعمالها .. والجواب على ذلك ببساطة ان للكاتب عقلا موضوعيا معمرا يقرأ افكار الجميع ويستطيع النفاذ الى وعي الآخرين بسهولة وهنا تستدعي الاشارة الى ان الكاتبة تعاني دائما(شخصنة) اعمالها القصصية والروائية . بمعنى محاولة مطابقة شخصيات العمل الروائي بشخصيات الواقع الحقيقية مما يجعل الكاتبة تبدو وكأنها تكتب سيرتها الذاتية في الوقت الذي تدعو فيه المناهج النقدية الحديثة الى النظر الى العمل الادبي كشيء مغلق وعزله عن كل الظروف الاخرى المحيطة به.

{ كيف انعكس الواقع السياسي على الادب النسوي العراقي بشكل خاص والعربي بشكل عام.

– الكاتبات على ندرتهن في العالم العربي ارتبطن ارتباطا قويا بالاحداث السياسية لاوطانهن… ودائما تنعكس المحن التي تمر بها هذه الاوطان في ادبهن بشكل (خَنْسائي) أكثر إحساسا بالفجيعة .. وفي لبنان كتبت حنان الشيخ وغادة السمان وهدى بركات عن حرب لبنان وكتبت ليلى الاطرش وليانة بدر وسحر خليفة من فلسطين وسميحة خريس وبسمة النسور من الاردن واحلام مستغانمي من الجزائر ونوال السعداوي وسلوى بكر ورضوى عاشور من مصر وهيفاء البيطار ونادية خوست من سوريا وفي العراق كان الواقع السياسي حاضرا وبقوة وعلى مدى اجيال من الكاتبات وفي اعمال ادبية كثيرة للطفية الدليمي وسافرة جميل حافظ وسميرة المانع وبديعة امين وابتسام عبد الله وسهيلة داود سلمان والهام عبد الكريم وهدية حسين وبتول الخضيري وعالية ممدوح وسالمة صالح وذكرى محمد نادر وإرادة الجبوري وكليزار انور ومي مظفر وكاتبات اخريات من المهجر لم تصل أعمالهن إلينا إلا مؤخرا مع الاسف نحن جميعنا نعيش عصر المحنة… ونكتب فيما اسماه الناقد الطبيب حسين سرمك حسن بأدب عصر المحنة. ولكن يمكن ملاحظة ان التجربة الوجدانية للمرأة إزاء المحنة مختلفة عن تجربة الرجل ، فمن جهة هي اكثر عمقا وحنانا ورهافة.

 ومن جهة أخرى فقد خلقت الظروف القاهرة التي مررنا بها جميعا من المرأة العراقية مخلوقة قوية جدا وطموحة جدا وشجاعة جدا تعمل خارج البيت وتحافظ  على ميزانيته وتهوى إكمال دراستها العليا وتؤدي دورها كأم كأفضل ما يمكن ان المرأة هي عمود البيت والبيت هو عمود الوطن وحبذا لو يتعلم الجميع من قلب الام محبته وغفرانه واتساعه لجميع الابناء.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

حوار منبر العراق الحر

القاصة والروائية العراقية الكبيرة ميسلون هادي بضيافة مقهى الماسنجر الثقافي منبر العراق الحر15-2-2025 يبقى الشيء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *