لا تصافح

لا تصافح
ميسلون هادي
اسرقْ وارتشِ وزوّر شهادتك في العراق الجديد، ولكن لا تصافح… فالعفو شامل ونهائي عن بعض المزوّرين باقتراح ممن انتظرنا العدل منهم بعد الظلم، والإستقامة بعد العوج، والأخضر بعد اليابس. ولكنّ العقل غاب في لحظة الحق.. فصال وجال بين حانا ومانا… وضاع ما تبقى من اللون الأبيض مع الأسود ، واحترق الأخضر بسعر اليابس… والذي نجح بذراعه سيتساوى مع الذي نجح بذراع قرة قوش. أما إذا أردت البحث عن كلمة (العدل) ولم يفلح بحثك في إظهار أية نتائج، فجرّبْ بعض الاقتراحات لبحث أكثر جدوى:
تأكد من كتابة الكلمة بشكل صحيح.
حاول كلمات مختلفة.
جرب استخدام كلمات أكثر شيوعاً.
هه… لا أمزح معكم والله، ولكن ماذا نفعل في هذا الزمن العراقي الجديد؟ تبحث عن (العدل) ولا تجده إلا في ضمائر قلة شريفة تكاد تنقرض من خارطة هذا الزمان، فتأكد من كتابة كلمة (العدل)إذن بشكل صحيح أو حاول أن تبحث عن كلمات مختلفة….. كلمات أكثر شيوعاً من الاستقامة والعدل، مثل (لحية القاضي)، أو (على حس الطبل)، أو (نحباني للّو)…. كلمات مختلفة أصبحت من الضرورات الملحة في زمن القلب المحترق الذي انتظر الفرج بعد الشدة فجاءته الشدة بعد الشدة…. و(شحدّك) تذهب إلى ساحة التحرير وتعارض هذه الشدة، فأنت إذن، إنْ فعلتَ ، من أعداء الحرية وأعداء الديموقراطية.. ديموقراطية الرجل الذي إذا مدت المرأة المضحية يدها إليه فإنه لا يصافحها.
قد يكون الذي تمد المرأة يدها إليه سارقاً فلا يصافحها، أو مرتشياً فلا يصافحها، أو مزوراً شهادته فلا يصافحها…. حتى ولو كانت بعمر ابنته أو عمر أمه فلن يصافحها.. لا يجوز لامرأةةةةة أن تلمس الذراع التي كدّتْ وتعبتْ في عد الفلوس وملء الكروش.. ولهذا لن يصافحها لكي لا تنقض وضوءه، أو ربما تكتشف نعومة يديه التي لم تعرق أو تخشوشن أو تعرف شظف العيش…….التاء المربوطة مشكلة المشاكل لأن ماحدث عندنا لم يكن ثورةةةةة مع الأسف، ولكنه وليمة كبيرة للباجة والتكة والبرياني.. وإلا مامعنى أن يكتمل (النصاب) في البرلمان اذ نوقشت زيادة الرواتب الحلال.. ويتبخر النصاب إذا نودي للحج أو العمرة… يريد نائب الشعب سرقة شعبه في الدنيا والآخرة.. يريد الضحك عليهم في الدنيا والآخرة.. يريد إسقاط هذا الشعب من حسابات الوجود ويبقى هو وحده يغرد فوق سطوح الفضائيات، ظاناً إن العدل لن يكون له وجود إلا من خلال طلعته البهية.
تُرى كم عدد الذين يتم تعيينهم برشوة، كبيرة أو صغيرة… يأخذها متديّن أو محجبة، وقد يؤديان الفرائض والصلوات الخمس، والأهم من ذلك أنهما لا يصافحان الجنس الآخر… ماهذا الزمان الأغبر الذي نعيش فيه؟… أن تبدأ حياتك وتتعين برشوة.. والراشي سيصبح مرتشياً، وكذاباً، وسارقاً وخائناً…. وكل ذلك مقبول ومسموح به … في زمن الحلال الذي أصبح حراماً، والحرام الذي أصبح حلالاً، لأن الأخضر واليابس هو في الميزان شيء واحد عند وضع المكناسة في كفة ولحية القاضي في كفة أخرى… وما يهمنا من القاضي؟؟ المهم هو الذي يشاور نفسه: هل المصافحة حلال أم حرام؟ يا لها من دوخة….
إذن دعك من الدوخة يا من توضّأت للصلاة بأيد ناعمة كالحرير.. ولا تصافح يا من توجهت للقاء ربك وأنت تربّي نفسك على التواطؤ مع الضمير. نم مرتاح الضمير يا من تحرسك الكلاب البوليسية وتُقلّك سيارات الدفع الرباعي لتتجول مع الحمايات بين شوارع عاصمة الخراب…. إذا كنت واحداً من أولئك فلا تصافح…. فعلاً لا تصافح.. لا تصافح.
جريدة الناس. 2011

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

النصف الآخر للقمر

ميسلون هادي القادم من المستقبل قد يرى أعمارنا قصيرة، وعقولنا صغيرة، لأنها انشغلت بالصور المتلاحقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *