قصيدة النثر

رأي في قصيدة النثر
قصيدة النثر هل هي قصيدة المستقبل؟
في أول مقال أنشره في حياتي، وكان ذلك سنة 1972 وأنا بعدُ في السنة الثالثة من دراستي الجامعية، تساءلتُ: إذا لم أكن أنا المثقف بشكل معقول أفهم من بعض ما يُكتب شعراً اليوم، فلمن يُكتب هذا الشعر إذن؟ لأكتشف، بعد أكثر من عشر سنوات كم كنت ساذجاً في تساؤلي، حين كنت أريد للشعر أن يكون في شكل بعينه ووفق (ضوابط) معينة تتمركز حول الوزن والقافية، كما كنت أريده أن يكون بوضوح الكلام والنثر، ولأكتشف أنني كنت أريده أن يقول ما يقوله الكلام وكما يفعل الكلام، بينما الشعر غير الكلام، والأهم كم كنت أسيء قراءته تماماً كما يُخطئ من يستمع للسيمفونية استماعَه للإهزوجة مثلاً. وبعد الوعي الذي اكتسبته صرت أبحث عن الشعر الذي هو كذلك في روحه وجوهره وليس في وزنه وقافيته، بل ما عدت أتذوق- ولا أريد أن أقول أقبل- الشعر الموزون المقفى، ولكن دون أن أُنكر ذلك على من يبحث عن هكذا (شعر). وهكذا كان الشعر الحر الذي أرى أن أهم ما حققه ليس التحرر من الوزن والقافية وقيامه على التفعيلات تحديداً، بل في قيمة (التحرر) ذاته الذي هيأ له الانطلاق من محبس قرون طويلة، لتنفتح الطرق أمام تطوره الدائم الذي لا أظنه سيتوقف أبداً. وهكذا حين فرض الشعر الحر نفسه، برز شعر التفعيلة الذي قد يراه البعض هو الشعر الحر ذاته وقد يراه آخرون وليداً منه، وحين فرض شعر التفعلية نفسه برزت قصيدة النثر التي قد يرى البعض أنها شعر التفعيلة ذاته ويراها آخرون وليدةً منه، وهنا لا أرى في التساؤل الذي كثيراً ما يُثار: هل قصيدة النثر شعر أم نثر؟ إلا عبثاً، ولكن في الوقت نفسه يجب أن ننتبه إلى أن التحرر هو غير الانفلات، كما قد نجده في بعض من يدّعي أنه يكتب شعراً. وهكذا إذا كانت قصيدة النثر هي “الشكل الفني الذي يسعى إلى التخلص من قيود نظام العروض في الشعر العربي، والتحرر من الالتزام بالقواعد الموروثة من القصائد التقليدية”، كما يعرفها البعض، فنحن معه وهذا هو التحرر الذي أظنه من أهم ما يجب أن يتسلح به الشعر عموماً. ومن هنا، وجواباً على سؤالكم، فإني أؤمن لا بأن قصيدة النثر هي “قصيدة المستقبل” على حد تعبيركم، بل هي قصيدة الطريق المفتوح إلى مستقبل الشعر.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

دراسة عن دروب وحشية

تشكلات البناء السردي في رواية دروب وحشية للناقد نجم عبد الله كاظم أنفال_كاظم جريدة اوروك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *