قصة هات ماعندك

هات ماعندك

ميسلون هادي

استيقظتُ يوم الخميس على صمت غريب يتدفق بكميات كبيرة من كل مكان.. ثلثه يقترب مني ليغرقنني بأمواجه، وثلث آخر يدهسني بين عجلاته.. وثلث ثالث يأكلني ويبلعني، وكأنني طبقه المفضل.. ابتعدت عنه إلى النافذة وفتحت الستارة على الشارع، لأجده فارغاً من المارة والعربات.. كان هناك فقط طابور من النمل الأبيض يتشاجر مع طابور آخر من النمل الأسود للحصول على ذرات  الخبز الأسمر  فوق حافة النافذة ..

الساعة هي الثامنة صباحاً والمفروض أن تمر خطوط نقل الطلاب والطالبات ثم الموظفين والموظفات، وبعد ذلك تأتي سيارة النفايات رائحة غادية في الشارع.. ولكن ذلك كله لم يعد له وجود أمامي…. اختفت سيارات التويوتا والداتسون والبيجو.. وانمحت الدراجات الهوائية وكرة القدم، ولا أحد يتحرك بين البيوت سوى العصافير والطيور التي كانت تتنقل من شجرة لأخرى بأعداد غفيرة.. ومعها أعداد أخرى من النمل الأسود والأبيض، والذي كان يتشاجر على ذرات الخبز الاسمر ،والأبيض أيضاً، فوق حافة النافذة..

اليوم هو الخميس مما يعني أن غداً هو الجمعة، ولكن اسمعيني جيداً يا هبة.. أنت كل شئ بالنسبة لي في الحياة؟ فهل أنت موجودة في البيت؟ نعم أنا موجودة في البيت وفي هذه الدنيا أيضاً.. إذن خمسة دقايق وأكون عندك ياحبيبتي .

كان رجلاً وسيماً يحب الماء والزوارق.. وصمم واجهة بيته على شكل شراع مفتوح.. خرج منه ساحباً حقيبته السوداء وحاملاً بيده قبعة الطيارين الكحلية الأنيقة. نادى علي وقال:

  • إنزلي بسرعة.. غيري ملابسك وانزلي.
  • ولكن إلى أين سنذهب؟ أنا لم اشرب قهوتي بعد.
  • سنهرب من هنا.. جاءت أم الوحش خلف ابنها الذي يتنزه..
  • ولكن موعدها ليس اليوم، وإنما يوم غد.
  • أقول لك جاءت أم الوحش تبحث عن ابنها، وقد تأكلنا.
  • قلت لك  إن موعد نزهة ابنها ليس اليوم وإنما يوم غد.
  • يا إلهي.. ألا ترين البشر قد أختبؤوا في البيوت.. والصمت يدور في دوائر.
  • إذن لماذا تريدني أن أخرج من البيت.
  • لدي معلومات مؤكدة إنها لازالت بعيدة.. واليوم عطلة مما يعني إنها ستتأخر في الحصول على فريسة سهلة لإلتهامها بعد خنقها.
  • لماذا اليوم عطلة.. إنه الخميس.. وغداً هو العطلة.
  • الخميس كان يوم أمس.
  • أتقصد إن اليوم هو الجمعة؟
  • نعم .
  • أنا نمت يوم الاربعاء أفليس المفروض أن استيقظ الخميس، فكيف تقول أن اليوم هو  الجمعة؟
  • هل نمت يوم الأربعاء حقاً..
  • نعم. نمت يوم الأربعاء.
  • وهل من عادتك أن تنامي ليلتين متواصلة؟

أفكاري تبعثرت في الهواء.. ثم عثرت عليها داخل معدتي.. أنا جوعانة جداً، فأما إني فعلاً قد نمت ليلتين متواصلتين.. وعندما استيقظت كان موعد قدوم الوحش وأمه قد حل.. أو إن الأيام قد تشابهت علي فلم أعد أعرف يوم الأربعاء من يوم الخميس..

 قلت له:

  • إذن لماذا خرجت من البيت؟ ألا تعرف إنه يجب عليك أن تبقى في البيت إلى أن يمر الوحش مع أمه أو أبيه؟
  • أقول لك بأننا يجب أن نهرب قبل أن يصل أحد الوحوش. التلفزيون يعيد الآن الحلقة السابقة من يوميات  الوحش على قناة الساعة، بانتظار أن تصل الأم فيصورون حلقة جديدة قرب مكب النفايات.
  •  هذا كله سيحدث يوم غد الجمعة. مابك؟
  • أوف مابك أنت؟ قلت لك إن اليوم هو الجمعة وليس الخميس.. فتأكدي متى وضعت رأسك على المخدة ؟ أفي  ليلة الأربعاء أم في ليلة أمس الخميس.
  • لو صدقتك فيما تقول، أليس من المفروض أن نبقى في بيوتنا، ونكتفي بالتفرج على الوحش في التلفزيون حتى يعود إلى جدار المدينة.. هكذا هي التعليمات.
  • لا.. لا.. أنا وأنت سنهرب هذه المرة.
  • ولكن لماذا؟
  • لأني مللت من انتظار الوحش حتى يمر  للنزهة.. ثم انتظاره مرة أخرى حتى تمر أمه للبحث له عن طعام.
  • دعني أفكر.
  • إنزلي. لا وقت للتفكير.
  • إن شاء الله.

غيرت ملابسي ولكني لم أنزل، وهو لا يريد الصعود.. برم الصمت كله تحت شفته العليا مثل شريحة خبز رقيقة في داخلها شئ واحد هو صوته الذي يلعلع تحت النافذة.

  • هيا.
  • ولكن إلى أين سنذهب؟
  • استعجلي بالنزول.. الزلمة عم بيرن علي.
  • أي زلمة.
  • الزلمة اللي بيشتغل بالمطار.
  • طيب.. ماشي.
  • ألو.. اسمع .. الطائرة لاثنين فقط واحد صاحي وواحدة مجنونة.
  • ……………….
  • لا تطول علي الله يخليك؟؟ جيبلي الطيارة للبيت.

نزلت بأقصى سرعتي.. وكانت الطيارة بانتظاري.. ممددة على الطريق الصامت ومصنوعة من مئات الشظايا.. صعد الطيار قبلي.. وأقلعنا في الوقت المناسب.. أي قبل وصول الوحش أو أمه.. له بطن كبيرة.. وأفخاذه قصيرة.. ووجهه المجعد يشه ثمرة كمثرة عجوز.. ولا يمكن الانقضاض عليه بسهولة، لأنه يحيط نفسه بدوائر أمواج قاتلة، لا يمكن اختراقها للوصول إليه أو التخلص منه..

ارتفعت بنا الطائرة من الشارع إلى السماء.. معقولة.. نعم معقولة.. فكل شئ يتغير وأصبح بإمكاننا الطيران من البيت مباشرة، ولم نصب بمكروه لأن الوحش كان موعده الجمعة وليس الخميس كما قال .. أسفي على أن جاري الطيار بسيط و غبي ويحب أفلام اسماعيل ياسين.. ومع ذلك أحبه جداً.. أقول له إن اليوم هو الخميس فيقول لي انه الجمعة.. يبدو إنه قد جن بسبب الوحش. أو إن الأيام قد تشابهت عليه فلم يعد يعرف يوم الأربعاء من يوم الخميس.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

قصة وحدة تفكيك المتفجرات

وحدة تفكيك المتفجرات    ميسلون هادي  طَرق الباب وقت الصباح للاستفسار عن التويوتا الذهبية الواقفة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *