قصة عازف العود

عازف العود

ميسلون هادي

عادة مانذهب أنا وزوجي عازف العود إلى أربيل مرة واحدة في السنة.. ونقضي هناك عطلة الصيف بعد سنة دراسية متعبة.. لا توجد متاعب في التدريس نفسه أو حتى في سماع أغنية (الكبدبد) خلال الطريق، وإنما التعب كل التعب هو في  الالتفاف حول العالم للوصول إلى الجامعة  وما نلاقيه قبل ذلك من ازدحامات وحفريات في درب التبانة.. وأحياناً تحدث بضعة إنفجارات يتبعها دخان أو غبار.. أو تكون الشوارع المغلقة هي السبب في صعوبة الدوران حول العالم في ثمانين يوماً….. العكس أيضاً صحيح حيث يكون التدريس متعباً بعد السأم من الاستماع إلى المغنين الأفاضل حسام وهمام ومقدام.. أو الوقوف كل عشر أمتار في المسافة الواصلة بين كوكب المريخ رابع أبعد الكواكب عن الشمس، وكوكب المشتري خامسها بعداً عن كوكب الأرض…… هذا بالضبط هو ما جنيناه من الحرب التي يبدو إنها لن تنتهي.. أم أنها أنتهت منذ يوم الجمعة ونحن لا ندري؟

 هنا من الممكن أن تكون هناك أسئلة كثيرة.. ولا أحد يعرف ماذا سيحدث بعد أن أصبح الجنرال عمر سليمان ضمن المرشحين الألف للرئاسة المصرية.. فهو ينوي تقليص أعداد العاطلين والمتسربين من اللقاحات الإجبارية.. والأدميرال خيرت الشاطر يبدو مستعداً لبناء دولة حديثة على غرار تركيا وماليزيا والربع الخالي…… أما الشيخ اسماعيل فإنه سيحسن الدخل بخمسة ملايين وظيفة وشقق خالية من الحشرات لذوي الدخول المحدودة.. كانت ستكون هذه هي الفرصة الأبدية للسكن في البيوت الزجاجية بدلاً من أرخبيلات التونة، لولا إن أمه قد ماتت في أرض الأحلام.. وعلى ما يبدو فهذا هو ما أصبح عليه الوضع في الأرض ذات الصدع، أنغام وأحلام تتمشيان مع  أوهام وأيام.. وحسنين ومحمدين يتمشيان مع عمر وسلمى… ولكن (أقطع ذراعي) إذا لم يكن هناك ما هو أهم من انتخابات الرئاسة المصرية في استوديو العاشرة مساءً.. إنها رسالتي الألكترونية لجارتي في أربيل أم التوائم الثلاثة مينة ودينة ولينة.. والتي ترددت في كتابتها لوقت طويل.. وفي النهاية أرسلتها وانتهت الحدوتة:

” من فضلك أم دينة.. عفية أم دينة.. ليتك تفتحين الشقة  وتمدين رأسك من الباب لتسمعي هل هناك ماء مفتوح؟؟  يعني لا داعي هناك لفتح دائرة الكهرباء المغلقة أو الذهاب إلى الحمام البعيد.. مدي رأسك فقط من الباب للتأكد من إغلاق الماء.. ولا تترددي في فتح الباب لأن الشقة فارغة.. ولا تحتوي على كنوز أو تحفيات.. فقط مدي رأسك من الباب وتأكدي إنه لا يوجد صوت ماء…. تباً للوسواس.. فجأة تمكن مني وتركني خائفة من طوفان جديد يغمر الأرض…. بما في ذلك الخنادق والقنوات والأودية التي يُعتقد أنها قد حفرتها مياه الحنفيات.. 

نعم عزيزتي.. يبدو إننا هرمنا هرمنا هرمنا.. والنوم غير ممكن بعد توابع هوس مزعج جعلني أظن بأننا قد نسينا ماء الحنفية مفتوحاً.. أتوقع أن يكون ذلك غير وارد، ولكن لا أدري لماذا تملكني هذا الوسواس اللعين، مع العلم إن زوجي  دقيق في هذه الأمور وأكد لي أكثر من مرة إنه أغلق كل شئ بما في ذلك الخط الأرضي.. ماذا أفعل.. ضجر مني ومن أسئلتي وأصبح عازفاً للعود.. أقصد عازفاً عن التعليق على إلحاحي بالسؤال عن الماء. ها ها ها…. فقد كررت عليه السؤال أكثر من اللازم حتى قال إنه لن يجيب عن سؤال واحد عشر مرات..

أنتظر ردك وإلى لقاء قريب.”

هذا مايحدث كل عام.. يصيبني الوسواس من ترك الحنفية مفتوحة.. وفي فاصل مابين طبق الأمس وطبق اليوم، تنال الحنفية لقب السندريلا.. إنها مغلقة ياتوتة.. والشكر أولاً وأخيراً لموجات الهواء الهاب من نجمة الصبح إلى  بنات نعش، فلولاها ما تحقق الوصول إلى الجواب النهائي بعد أن أسرعت جارتي للتأكد من غلق الحنفية في الشقة الخالية من الكنوز والتحفيات والفطريات.. إنها الشقة رقم سبعة في الحي المسمى بالدب القطبي.. وهناك يوجد المفتاح والخبر اليقين…….. ولكن خلي بالك حضرتك.. القرار في الآخر للشعب المصري.. وسيصل إلى كرسي الرئاسة من يكون مستعداً للركض في الحلم والعلم…. وذلك طبعاً بعد أن يحقق الفوز الساحق في مسابقة الربيع للتصوير الفوتوغرافي.. وإذا كانت الفضائيات على حق فسيتحقق الفوز بأهداف نظيفة على يد حامي الهدف الذي يستعمل سانسوداين للأسنان الحساسة.. ومن الممكن أن ينتهي الأمر بأن تنزل ستائر سيدار على السجال المفتوح حول سن العقل فتدير دولة قطر ميناء السويس أو تدير دولة موزمبيق سفح الهرم.. سيكون هناك برنامج لكل مرشح.. يقوله في ربع ساعة.. ولا أحد يعرف من سيكون العريس في زفاف هو الأول من نوعه في ملعب لكرة القدم.. فالثورة (حضرتك) ستبقى موجودة في الميدان ومستمرة كل جمعة، إنما لا زال الوقت باكراً على الإجابة على من سيكون العريس القادر على أن لا يغمض عينيه.. وهل أمه التي حملته وهناً على وهن، قد ماتت في أرض الأحلام أو فوق هضبة الأهرام أو في غرفة الانعاش؟.. فهل تأكدت ياأم دينة ومينة ولينة من عدم وجود صنبور مفتوح؟..

  •  نعم أنا متاكدة ياستي الغالية.
  • شكراً وإلى لقاء قريب..

ولكن الوساوس منعت عني النوم مرة أخرى.. قد تكون أم دينة قد نسيت إقفال الشقة بعد فتحها.. لا شئ مستحيل… لا أعرف لماذا.. الجميع في حالة غضب.. ولا أحد يثق بالوردة البيضاء.. ولا بوردة الحب الصافي.. وكل ماهو حولنا يتحدث عن المحكمة التي تطلب وثيقة والدة الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل للتأكد من أنها مصرية.. والحلزون المدعو إلى حفل الزفاف مع بقية أهله من الرخويات، يبدو متردداً من السبت للأربعاء.. هل يشجع ريال مدريد أم برشلونة؟ هذا يعني إنه يتعلم مع الأيام والشهور والسنين.. وأنا أفكر… ماذا لو لم تتأكد أم دينة ومينة ولينة من إقفال باب الشقة بعد أن تأكدت من غلق الحنفيات؟؟

  • إذن .. إذن.. إلى لقاء قريب.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

قصة وحدة تفكيك المتفجرات

وحدة تفكيك المتفجرات    ميسلون هادي  طَرق الباب وقت الصباح للاستفسار عن التويوتا الذهبية الواقفة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *