فصاحة الدولة العراقية
ميسلون هادي
مما يشد الانتباه في طبائع اهل الشام فصلهم بين ساعة الجد وساعة اللهو في الحياة، فاذا ماسمعت خطيبهم يخطب ويهدر بالخطاب تقوم الدنيا ولا تقعد، وإذا ماحانت ساعة اللهو، فأنهم سادة الحظ في الفرح والاسئناس، أما ساعة الثقافة فهم روادها في الترجمة والمعاجم والأدب والإعلام الذي لا تعجب بأحد فرسانه صوتا وإلقاء، إلا وتكتشف أنه سوري أو أردني أو لبناني أو فلسطيني. فاذا ما توجهت شرقاً إلى أرض الجزيرة ستجد من جهة، الكثير من الوزراء والأمراء هم من الشعراء، أما اذا توجهت شمالا نحو أرض السواد ستجد، اللهم زد وبارك، المسؤولين العراقيين لايباريهم أحد في فصاحة اللسان واتقان قواعد اللغة العربية حاديهم في ذلك رئيس الجمهورية، الذي بالرغم من قوميته غير العربية، فإنه عاشق للشعر العربي ومتمكن من اللغة العربية وآدابها، ويفخر دائما بصداقته للجواهري والرسائل المتبادلة بينهما وهو المعروف،أي الجواهري، بأن طاقيته الشهيرة كانت تحاك في كردستان كل عام وتهدى اليه من قبل السيد الطالباني على وجه التحديد. وفي لقاء له قبل أيام في الذكرى العاشرة لوفاة الجواهري نكتشف فيه بجانب حفظ الشعر، الحس النقدي الذي يقيم أبيات الشاعر والأسباب التي قال فيها كل قصيدة والجماليات التي يتمتع بها كل بيت. هذا هو حال عشق العربية لدى المسؤولين من الكرد، فمابالك بالمالكي والهاشمي والجعفري والدباغ والدليمي والمشهداني والعطية وعلاوي وجميع الذين كانوا أو هم الان على رأس السلطة، فلاتجد أحدهم وهو يتحدث الا ضليعا في اللغة العربية ونحوها وبعضهم إن أخطأ في قواعدها فانه سيبادر الى تصحيح الخطأ على الفور، مما يعني أن فصاحته تلقائية ولم تأت عن طريق الكتابة في الورقة أو التلقين، وهذه الفصاحة هي مما يقوم عليه فن الاقناع مستذكرين قول الجاحظ بأن البيان يقوم على التبيين وعلى الإفهام، وكلما كان اللسان أبين كان أحمد، كما يقول إن أول البلاغة هو اجتماع آلة البلاغة وذلك أن يكون الخطيب رابط الجاش ساكن الجوارح قليل اللحظ متخير اللفظ لايكلم سيد الأمة بكلام الامة، ولا الملوك بكلام السوقة، كما وأخذ على كثير منهم أنهم يكتبون الكلمة سليمة ولكنهم يخطئون عند النطق بها مخلين بشروط الفصاحة في الخطاب.
إن فصاحة الدولة العراقية هي من الامور المحمودة جدا بكل تأكيد، إلا أننا نتمنى أن تنتقل هذه الفصاحة من الأقوال الى الأفعال فنجدهم بعد النطق السليم أن يتعلموا المشي الى أمام بدلا من هذا الوقوف الطويل وسط الفوضى والخراب، وعلى ماأتذكر ان سؤالا وجهته احدى القنوات الفضائية الى السيد الطالباني في العام 2003 عن سبب التأخر الطويل في تشكيل الحكومة، فأجاب ضاحكا بطريقته المعهودة، وقال إن السبب يعود الى عدم اتفاق القادة السياسيين واستمرار الخلافات فيما بينهم. وعلى ما يبدو انه بعد خمس سنوات من ذلك اللقاء، الذي كانت بغداد خلاله بلا حواجز ولا جدران لا زال الخلاف موجودا وفوقه الحواجز والجدران والبيوت الخالية من إهلها، ناهيك عن محنة الخدمات ومأساة الكهرباء، فكيف يستقيم ذلك الوضع مع عامل السير الى أمام وسنة الحياة التي تقول ان الطفل الذي ولد في الشهر الأول من العام 2003 أصبح عمره الآن ست سنوات وقد تعلم المشي والحركة بالاضافة إلى النطق والكلام والابتسام، وبعد شهر من الآن سيحق له الجلوس على مقاعد المدرسة فماذا فعل الساسة العراقيون خلال هذه السنوات الست التي توشك أن تقارب سنوات المدرسة غير الكلام الفصيح؟
2009