فرحة كالدوار لبغداد
ميسلون هادي
شعرت بالدوار من شدة الفرح عندما قرأت خبراً يقول إن شارع الرشيد سيتحول إلى سولدير بيروت حيث كشفت أمانة بغداد عن أن ثلاثة مقترحات عرضت على أصحاب الأملاك الواقعة ضمن مشروع مركز بغداد الثقافي الذي يستهدف تطوير المنطقة الواقعة بين جسر الشهداء والباب المعظم، ومن شارع الرشيد حتى ضفاف نهر دجلة.
لقد اطلقت أمانة بغداد مشروع تطوير شارع الرشيد والمنطقة المحصورة بينه وبين نهر دجلة، وتعاقدت مع المكتب المعماري وشركائه (الشركة العراقية لاستشارات إعادة الأعمار المحدودة) و(شركة بروتشتات الألمانية) للقيام بهذه المهمة المنتظرة التي ستستغرق خمس سنوات قادمة. كما تخطط الأمانة لاستحداث شركة للتطوير العقاري تُعنى بتطوير هذه المنطقة. ليس هذا فحسب، ولكن المتابع لإعمال تطوير شوارع المطار والجادرية ومدينة الصدر وبعض أحياء الكرخ يشعر بأن أملاً يلوح في الأفق للنهوض بواقع بغداد على أيدي شركات تركية ولبنانية وألمانية، إضافة إلى مكاتب استشارية عراقية ستقوم بتطوير شوارع بغداد وتحديثها.. والمؤمل أن تكتمل مرحلتها الأولى نهاية هذا العام بإعمار شارع المطار وتزيينه بالبحيرات والأشجار ولوحات سيراميك لتغطية الحواجز الكونكريتية، فضلاً عن دار استراحة حديثة للمسافرين ستُشيّد قرب تمثال عباس بن فرناس.
أما بالنسبة لشارع الرشيد، فإن ما يتم إعداده من تصاميم تنفيذية أولية لتطوير المنطقة سيتضمن استحداث مناطق خضراء ومفتوحة وبلازات ومولات ومرافق ثقافية مع تجديد وتطوير كامل للبنى التحتية والخدمات والمرور ومواقف السيارات وخلق فرص استثمارية رائدة في المنطقة مستغلة بذلك كافة الامكانات المتاحة في شارع الرشيد من موروث ثقافي تراثي تاريخي وموقع سياحي متميز محاذٍ لضفة نهر دجلة ومتمركز في قلب المدينة التجاري. وحسب مصدر مسؤول في الأمانة، فإن المشروع سيقود إلى “تغيير كامل واجهات الأبنية لتكون متجانسة مع بعضها”. كما “ستكون الأبنية وفق تصاميم قريبة من واقعها التاريخي، والداخل للشارع سيلمس معالم معمارية قديمة لكن بطريقة حديثة وبشكل منسجم، إذ إن العمل مترابط، فكل الأبنية سيتم تطويرها، كما في شارع (سوليدير) في بيروت”.
وهنا نحب التذكير، بعد التحية والانحناء لهذا المشروع المدهش، بضرورة الاستفادة من نقطة الخراب التي وصلت إليها بغداد والنهوض من نقطة (الصفر) هذه بحلم معماري جميل يتم رسمه من جديد وفق ذائقة مبهجة مزدانة بألوان التراث الزاهية كالأزرق والأخضر والنيلي والأبيض كما هو موجود في تونس مثلاً، وأن يزاد عليه لمسات أخرى تخص التراث البغدادي تحديداً كالشناشيل والدرابزينات (المحجرات) التي تم صبغها في خطوة ناجحة باللون الأزرق الفاتح في عمارات الباب الشرقي وننتظر تطوير التجربة لتشمل مداخل بغداد الأربعة ومنها الشارع الممتد من ساحة الأردن إلى أبي غريب والذي يعاني من فوضى كبيرة بسبب الواجهات البشعة والتجاوزات على الأرصفة والمناظر المؤذية لبعض العمارات المتهدمة.
بالأمس القريب كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد قاد تركيا إلى أكبر طفرة عمرانية وحضارية عندما فاز حزبه بثقة الشعب التركي، فكان أهلاً لهذه الثقة ولم يخنها بالفساد أو تزوير الشهادات أو سرقة المال العام وإنما عزز تلك الثقة بسلسلة طفرات اقتصادية وعمرانية وخدماتية، وكل من يَزُور تركيا يرى ذلك الفردوس الأرضي الذي أصبح يؤمه ملايين السائحين كل عام، كما استطاع أردوغان رفع الدخل القومي للفرد التركي من 2200 دولار إلى عشرة آلاف دولار وتحولت تركيا إلى قوة إقليمية جبارة بالرغم من كل العوائق والمحاولات لتعطيل إصلاحات الحكومة من هذه الجهة أو تلك.
لنا في التجربة التركية أسوة حسنة وهي بادرة طيبة أن تبدأ حملة إعمار شوارع بغداد بأيدي شركات تركية وبسواعد عراقية شريفة، والأهم من ذلك كله بحرص وتصميم عراقيين.. ويا له من حلم جميل نتمنى أن يتحقق.
2015