وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
وتشرق الشمس ثانيةً: إرنست همنغوي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة شتى دارت فيها أحداث المئات من الروايات، عراقية وعربية وعالمية، التي قرأتها بدءاً بأول رواية أقرأها في حياتي، “الحمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، سنة 1966، وكنت حينها في الخامسة عشرة من عمري، بدأتُ سلسلة توقفات قصيرة جداً عند روايات مختارة منها، مستلةً من موضوعاتي المنشورة أو كتاباتي غير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات الخاصة عن تلك الروايات، حيث أتوقف كلّ بضعة أيام عند رواية. وستكون غالبية وقفاتي عند روايات عراقية، ثم عربية، وأحياناً عالمية. وقفتي اليوم عند رواية “وتشرق الشمس ثانيةً” (1926)، للروائي الأمريكي إرنست همنغوي (ألينوي/ 1899-1961).
إرنست همنغوي هو أحد كبّار الرواية الأمريكية، بل العالمية في القرن العشرين، وأحد أهم الكتاب في تأريخ القصة القصيرة في العالم، بل يُعد إحدى الحلقات الرئيسة فيها، إلى جانب موبسان، وتشيخوف، وإرسكين كالدويل، وبارخوس. وهو حاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1954. من أهم رواياته: “وتشرق الشمس ثانيةً”، و”وداعاً للسلاح”، و”لمن تُقرع الأجراس”، إضافة إلى الرواية القصيرة “الشيخ والبحر”
“بطل “وتشرق الشمس ثانية” رجل محبط، لا يجد طعماً لأي شيء يحيط به، وذلك يعود بشكل أساس إلى عنّته إلى ألمّت به نتيجة إصابة قديمة في الحرب، والى إحساسه العميق بعبثية الحياة ولا جدواها. لكن هذه الأحاسيس، وفي مفارقة أخرى، لا تؤثر في موقفه الحميم تجاه أصدقائه والمحيطين به، ولا في شعوره وحبه النقي والمتجرد من الغاية الذاتية المجردة لـ(بريت) رغم كل تصرفاتها اللامسؤولة والعابثة أو غير المستقرة… عندنا أن (بريت) تبدو فتاةً ضائعةً لا تعرف ماذا تريد بالضبط، تماماً كما لو أنها قد فقدت رغبتها وشهيتها بالحياة وبكل ما فيها، وهي لا تستطعم شيئاً ولا يعرف الاستقرار طريقاً إلى حياتها ولا إلى أي شيء تحبّه أو تفعله، حتى وإن بدتْ، ظاهرياً وفي انطلاقها وبحثها عن اللهو والعبث والمتعة، غير ذلك في كثير من الأحيان. فهي لا تميل إلى شيء أو تحبه إلاّ لتعود فتملّه وربما تبغضه بعد فترة قصيرة، وذلك واضح في سلسلة علاقاتها الطويلة بالرجال بشكل خاص. فهي امرأة متزوجة، لكنها تحب (جاك) الذي لا يستطيع أن يلبي حاجاتها الجنسية، كما نعرف، لذا فقد وجدت ذلك عند أشخاص آخرين، فتكون على علاقة بـ(الكونت ميبيو بولس)، ويدرك (جاك) بعد ذلك أنها كانت على علاقة قصيرة بـ(كون) كما تخطط للزواج بـ(بيل)، لكنها سرعان ما تقع في حب (بدرو روميرو) الأسباني الذي لم يستمر، هو الآخر، معها لتعود أدراجها إلى (جاك) الذي وجدتْه ملجأها وصديقها المملوء حباً وحناناً، كما هي تجده متى ما تحس بالوحدة والضياع. ” من كتابي “الرواية في العراق 1965-1980 وتأثير الرواية الأمريكية فيها”.
“نظرت إليَّ بريت وقالت: أريد أن أقول: هل سيشترك روبرت كون في هذه الرحلة؟
“- نعم، لماذا؟
“- إلا تجد أن ذلك سيكون مؤلماً له بعض الشيء؟
“- ولماذا يكون كذلك.
“- ومع أي شخص تعتقد أني قد سافرت إلى سان سيباستيان؟
“فقلت: تهنئتي لك.
“واستمرينا في سيرنا.
“- لماذا قلت ذلك؟
“- لا أدري.. ماذا كنت تودين أن أقول؟
“- لقد ظننت، في الواقع، أن ذلك سيكون مفيداً له.
“- ربما أنت تمارسين الخدمة الاجتماعية.
“- لا تكن خشناً”. من رواية “وتشرق الشمس ثانيةً” لإرنست همنغوي.