وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
نبوءة فرعون: ميسلون هادي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “نبوءة فرعون” (2004)، لميسلون هادي (بغداد/ 1954).
تمثل ميسلون هادي إحدى أهم ثلاث روائيات أو أربع كنّ وراء ما نراها الحقبة الذهبية للرواية النسوية العراقية التي انطلقت منتصف التسعينيات وتواصلت حتى الآن. لها خمس عشرة رواية، وعشر مجموعات قصصية، إضافة إلى أكثر من عشرة كتب أخرى.
أحد أكثر ما تحرص ميسلون هادي عليه في كتابة رواياتها هو تحقيق التلاؤم ما بين الموضوع أو الفكرة والحدث والأسلوب، وهو ما تحققه في هذه الرواية بما قد تستدعيه، كما في تضمين الرواية، ذات النفس الأسطوري ولكن غير المنفصل عن الواقع في الوقت نفسه، أساطير وحكايات شعبية، مقدمةً ذلك كله ومعالجةً له بأسلوب حكائي أسطوري. على من الملف الخاص بالرواية، ضمن ملفاتي الشخصية عن الروايات التي قرأتها.
“في نهايات القرن العشرين وأواخر العهد التلفزيوني الوسيط، وهو العصر الذي يقع بين أيام أورزدي باك وليالي الستلايت، ويفصل بين أعوام الموسكوفج وسنوات المنيفست، وَلدت بلقيسُ بنورة ابنَها يحيا منصور ماشي السالمدار، فكان أبرع جمالاً من أخوته العشرة الذين سبقوه، وأوفر حطّاً من أختيه التوأم اللتين لحقتاه. واحدة منهما قضت في رحم الأم، ووُلدت الأخرى بيضاء ملساء لا تفهم ولا تكفّ عن الابتسام.
“جاءها المخاض في ليلة كانونية مظلمة، فوَلدت يحيا على سجادة تغطي الأرض في غرفة النوم، وقطعت حبل الخلاص بيديها على ضوء لالة مكسورة زجاجها متورسة بالسخام، فلم ترَ وجهه النوراني النحيف جيداً في تلك اللحظة العصيبة، ولا رآه أبوهه منصور الذي كان يخوض في المياه الطامية بين أرض الكويت وأرض العراق.” من رواية “نبوءة فرعون”، لميسلون هادي، ص17.