عن رواية كما يموت الآخرون

وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها


كما يموت الآخرون: ياسين حسين
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “كما يموت الآخرون، تكملة رواية: الزقاق المسدود” (1965)، لياسين حسين (ديالى/ ؟).


لا نكاد نعرف عن ياسين حسين شيئاً، غير أنه محامٍ من مدينة بعقوبة بمحافظة ديالى، وله ثلاث روايات، ثنائيته “الزقاق المسدود” و”كما يموت الآخرون”، ورواية قصيرة بعنوان “الصمت والحقيقة”.


كما أحسست تجاه الجزء الأول أو الرواية الأولى من الثنائية، “الزقاق المسدود”، أحس أن “كما يموت الآخرون” هي إحدى الروايات التي ظلمها النقاد، مثل الطاهر وعبد الإله أحمد وعمر الطالب وغيرهم، حين انبهروا بالروايات الفنية الرائدة، “النخلة والجيران” و”خمسة أصوات” وغيرهما، محقّين في ذلك بالطبع كما انبهرنا وغيرنا بها، فتجاوزوا روايات سابقة أو متزامنة معها اشتركت في التأسيس الفني، بل ربما سبقت الروايات الرائدة في ذلك، من جوانب معينة، ولا سيما أساليب السرد الحديثة حينها، ومنها استخدام أسلوب أو أساليب تيار الوعي الذي يهيمن فعلاً على هذه الرواية، علماً بأنها كان من الممكن، وكما هو حال رواية الكاتب الأولى (الزقاق المسدود)- 1965- وكلاهما يشكلان ثنائية، أن تكون متميزة جداً، وربما أحدى أجمل الروايات العراقية وأنضجها بوعي الكاتب الواضح والمبكر بتيار الوعي، لولا انقياده إلى الحقد السياسي غير المتوازن وغير الملائم للعمل الروائي، فأخرجها من جزء كبير من الفنية والموضوعية التي يحتاجها الفن الروائي. من الملف الخاص عن الرواية، ضمن ملفاتي الشخصية عن الروايات المقروءة.


“اختلست نظرة إلى جو الغرفة المظلم.. لقد خلق في نفسي شعوراً بالكآبة والألم عندما دخلت. وجه الكرسي الوحيد كالح اللون. أغطية السرير تبدو عليها النظافة. كانت تنظر إلى يديها حيث استقرت في حجرها. يبدو على وجهها الهزال. جمعتْ ساقيها عندما رأتني أدقّق النظر فيهما ورفعتْ يديها إلى شعرها تحاول تعديل وضع المشط الصغير الذي يتوّج قمة رأسها، فسقط على الأرض. فانحنيت ألتقطه من على الأرض واستطعتْ أن أرى أسفل فخذيها. وأسرعتْ تلمّ قميصها ليضمّ ما انكشف من ساقيها. هل تحاول أن تخدعني؟ هل تفعل هذا مع جميع زوارها أم اختارتني أنا بالذات لتحاول معي هذه اللعبة القذرة.” من “كما يموت الآخرون”، لياسين حسين، ص19.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عن رواية الضفة الثالثة

وقفات قصيرة جداًعند روايات قرأتها الضفة الثالثة: أسعد محمد عليبعد خمسة عقود من العيش وسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *