عن رواية قسمت

وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها


قِسمتْ: حوراء النداوي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “قِسمتْ” (2018)، لحوراء النداوي (بغداد/ 1984).

مع أن الروائية حوراء النداوي لم تنشر بعدُ إلا روايتين، فإنها استطاعت أن تحفر لها موقعاً ملحوظاً في الرواية النسوية والعراقية عموماً، لتكون أحد الأسماء الأبرز للجيل الشاب من الروائيات بل الروائيين العراقيين أيضاً، وتحديداً الذين بدأوا النشر ما بعد التغيير عام 2003، إلى جانب أحمد سعداوي ومرتضى كزار وضياء جبيلي، وأزهر جرجيس وآخرين. روايتها الأولى كانت “تحت سماء كوبنهاكن”- 2011، وقد وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة (البوكر) العربية عام 2012، والثانية هي “قِسمتْ” التي نتوقف عندها هنا وقفتنا القصيرة جداً.

تبدأ الرواية بمشهد قويّ وصادم مكتوب ومرسوم ومصور بقلمِ كتابةٍ وريشةِ رسمٍ وآلةِ تصويرٍ سينمائية، عندما ترمي (قِسمتْ) طفليها إلى النهر ثم ترمي بنفسها بعدهما منتحرةً معهما. هو ينطوي على كل محفّزات الإثارة والانتظار والتوقع المفترض أنها موجودة في دواخل كل قارئ. ولا أبالغ إذا ما قلت إن فقرة الافتتاح التي قدمت هذا المشهد قد كانت هي تحديداً وراء فكرة كتابة مقالة نقدية عن الرواية صارت مع انتهائي من قراءتها مشروع مقالة فعلاً. وإذا لم يكن ما تلا هذا المشهد، أعني الرواية كلها، ليلبّي كل مفردات أفق التوقع التي تبلورت فيَ، فإن الرواية تبقى مثيرة وتقول أشياء، إن كانت روايات أخرى قد اشتركت معها في قولها، فإنها امتلكت الكثير مما أكسبها خصوصية، سأحاول وضع اليد عليها في مقالتي، وأنا ألمح وأحسّ وراء ذلك كله حبّاً وشغفاً وحميمية كتبتها بها حوراء النداوي. من الملف الخاص بالرواية، ضمن ملفاتي الخاصة عن الروايات التي أقرأها.

“نظرتْ إليّ نظرةً فيها عتاب ممزوج بحزن، ثم انتقلت ببصرها إلى الخيمة حيث تنام أسرتي. تبعتُ نظرتَها، وحين عدتُ ألتفت إليها لم أجدها. لماذا تراها ظهرتْ لي؟ ماذا كانت تعني بظهورها لي تحديداً دون غيري سيما بعد أن لمّحتُ لإخوتي فوجدتهم متململين من وضعهم التعس في المخيّم وليسوا أبداً في حالة جيدة لسماع قصص تبدو خارقة عن الخالة الميتة التي ظننا جميعاً أننا قد خّلفنا شبحها في العراق.” من رواية “قٍسمتْ”، لحوراء النداوي، ص137.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عن رواية الضفة الثالثة

وقفات قصيرة جداًعند روايات قرأتها الضفة الثالثة: أسعد محمد عليبعد خمسة عقود من العيش وسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *