وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
(
فرانكشتاين في بغداد: أحمد سعداوي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “فرانكشتاين في بغداد” (2013)، لأحمد سعداوي (بغداد/ 1973).
أحمد سعداوي أحد روائيي القرن الجديد العراقيين، إذ بدأ نتاجه الروائي عام 2004 وتحديداً برواية “البلد الجميل”، وهو أول روائي عراقي يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) التي حصلت عليها روابة “فرانكشتاين في بغداد”. وله إضافة إلى هاتين الروايتين رواية ثالثة هي “باب الطباشير”.
أتذكر أن بعض الكتّاب قد اتّهموا أحمد السعداوي باقتباس بل سرقة عمله “فرانكشتاين في بغداد” من فيلم “الخطايا السبع” Seven، الذي قام ببطلوته برات بيت ومورغان فريمان، وقالوا أيضاً إنه أخذ فكرتها من شخص آخر سمعه يحكي القصة الكابوسية، على طريقة ما يُقال عن سرقة مارك زوركيبرغ فكرة الفيس بوك من صديق له في الجامعة. أعتقد أن هذا الاتهام يسقط حين نقرأ الرواية، فنقتنع بأنّ في هذا القول تجنّياً كبيراً، حتى وإن افترضنا صدق ما يُقال عن الاقتباس، ببساطة لأن العمل الأدبي أو الفني، ليس فكرة فحسب، بل هو أكبر من هذا بكثير، والرواية تحديداً، وكما هو حال المسرحية، عمل تركيبي كبير ومعقد ويحتاج إلى أكثر من أن نمتلك فكرة أو موضوعاً لنكتبهما، وقديماً قال الجاحظ في خضم الخلاف النقدي حول الشكل والمضمون: “إن المعاني ملقاة في الطريق” للجميع، والعبرة في استثمار وتوظيف الفكرة أو الموضوع لخلق عمل إبداعي، وهو ما فعله أحمد السعداوي. من ملاحظاتي الخاصة عن رواية “فرانكشتاين في بغداد”، لأحمد السعداوي.
“العتاك يتمسك بصيغة أكثر خيالية، فالشسمه مصنوع من بقايا أجساد لضحايا، مضافاً إليها روح ضحية، واسم ضحية أخرى. إنه خلاصة ضحايا يطلبون الثأر لموتهم حتى يرتاحوا، وهو مخلوق للانتقام والثأر لهم. تحدّث الشسمه عن ليلة مواجهته للشحاذين السكارى وأنه حاول جاهداً أن يتحاشاهم، ولكنهم كانوا عدوانيين، واندفعوا نحوه من أجل قتله. كان وجهه البشع حافزاً لهم لكي يعتدوا عليه. لم يعرفوا عنه أي شيء، ولكنها طاقة الكراهية النائمة التي تستيقظ فجأة تجاه شخص غير مناسب”. من رواية “فرانكشتاين في بغداد”، لأحمد السعداوي، ص144.