عن رواية طفل الس إين إين

وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها


طفل الـ CNN- إبراهيم أحمد
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “الحمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “طفل الـ CNN” (1996)، للقاص والروائي إبراهيم أحمد (هيت- الأنبار/ 1946).


أكثر ما عرف به الكاتب العراقي إبراهيم أحمد هو القصة القصيرة جداً، وتحديداً من خلال مجموعته “عشرون قصة قصيرة جداً” الصادرة منتصف السبعينيات من القرن الماضي، والتي هي أول مجموعة قصصية عراقية وقد تكون عربية خالصة لهذا النوع من القصة القصيرة، وأول مجموعة نصّت في عنوانها عليه. لكن للكاتب نتاجات أخرى في غير هذا الشكل، نعني في القصة القصيرة عموماً، والرواية، وأحد هذه النتاجات الرواية التي نتوقف وقفتنا القصيرة عندها اليوم.


يكاد الكاتب، في روايته التي تنتسب إلى خطاب ما بعد الاستعمار، ينحاز في تقديم العلاقة المركزية في الرواية إلى بطل الرواية العربي (الزوج) بوصفه الطرف الناضج والمثقف والواعي والمتمدن، وعلى حساب البطلة الأمريكية (الزوجة) بوصفها الطرف العنصري والمتعالي على الآخرين والفاقد للتمدن والحب مما يقرّبها من الوحشية، وكل ذلك سواء في نظرة كل منهما إلى الآخر وفي التعامل معه، أو في نظر كل منهما إلى البشر والفكر. كأن الروائي يريد من الزوجة الأمريكية (جوديث) ممثلةً للأمريكي، ومن الزوج الأمريكي العراقي (جيمي) ممثلاً للعراقي أو ربما العربي، ليعبر من خلال ذلك ومن خلال العلاقة بينهما عن رؤيته تجاه العلاقات ما بين الشرق أو العرب أو العراقيين والغرب أو الأمريكان، وهو يصور العلاقة الزوجية بالمضطربة، بل غير السوية، خصوصاً في ما نراه واضحاً من عدم ارتياح كل منهما إلى الآخر. ولكن طبيعة العلاقة غير الإيجابية ما بين الاثنين، وأكثر من ذلك نظرة الزوجة السلبية إلى الشرق والعرب، بل عدم احترامها لشرقية الزوج، وما يترتب على ذلك من تأثير سلبي في هذه العلاقة، كل ذلك قد لا يبدو مقنعاً حين نعرف أن عمر زواجهما عشرون سنة. وهو أمر ليس بالغريب، بل شاع كثيراً، إلى جانب الانحياز إلى العربي، في الروايات العربية التي تعاملت مع الآخر الغربي، وله بالتأكيد بعض المبررات وأهمها ما يفرضه الرد على خطاب الآخر الغربي العنصري أو الاستعماري أو المتعالي، كما يعكسه بعض خطاب الاستشراق. من الملفّ الخاص عن الرواية، ضمن ملفاتي الشخصية عن الروايات المقروءة.


“في يوم آخر، كنّا في ذات المناقشة قالت: للعرب مخيّلة خصبة في تصور الاضطهاد.. مما جعلني أحتد فقلت: ربما تعرفين أن دولتكم المتحضرة هي التي صنعت جلاديهم الذين ملأوهم بالكوابيس والمخاوف.. كانت تنهي النقاش، عادةً بقولها: “هذه أمور منتهية” أو “احتفظ بقناعاتك لنفسك”، أو تكتفي بمطّ شفتيها وتبدو متفكّرة حتى أظن أنها تراجع نقاشاتنا وقد تقتنع لاحقاً.. لكني اكتشف فيما بعد أنها لم تتزحزح عن أفكارها.
“تزوجنا قبل ما يقارب من عشرين عاماً. آنذاك لم تكن جوديث تهتم بالسياسة كثيراً. كانت مكتفية بإيمانها بدولتها. تنظر للبيت الأبيض على أنه الإرادة الكبرى النابضة في قلب الكون. وكنت أنا منطوياً على جراحات تجربة قاسية تحمل كل المكونات البشعة للسياسة في بلداننا: من تعذيب وإسقاط سياسي وفكري وتشويه وكفر بالمبادئ والأشخاص والقيم”. من رواية “طفل الـ CNN”، لإبراهيم أحمد ص11.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عن رواية الضفة الثالثة

وقفات قصيرة جداًعند روايات قرأتها الضفة الثالثة: أسعد محمد عليبعد خمسة عقود من العيش وسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *