وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
طشاري: إنعام كجه جي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “طشاري” (2013)، لأنعام كجه جي (بغداد/ 1952).
بدأت إنعام كجه جي مسيرتها الروائية عام 2005 برواية “سواقي القلوب”، وبرزت عراقياً وعربياً بقوة بعد بضع سنوات من ذلك، وتحديداً بإصدار روايتها الثانية “الحفيدة الأمريكية” عام 2008. وهي عندنا إحدى أفضل أربع روائيات عراقيات: عالية ممدوح، ولطفية الدليمي، وميسلون هادي، وإنعام كجه جي.
الرواية، من زاوية نظر معينة، هي تعبير جمالي عن تأريخ بلد بطبيعته وأوضاعه ومآسيه على امتداد عقود شهدت تغيّرات تأريخية وسياسية واجتماعية حاسمة، وكل ذلك من خلال شخصية متخيّلة، قد يكون لها مرجعيات تعود، كونها مسيحية، إلى المؤلفة أو لبعض من عرفتهم، بسيرتها وتجاربها ومشاعرها وحنينها وفرحها وحزنها ووجهات نظرها في كل شيء لا سيما ما يتعلق من ذلك بالتنوع الديني والتعايش والتسامح واحترام الآخر في زمن صار من الذكريات، من جهة، وبالمرأة بين الدور وما يلحق بها من ظلم وقمع اجتماعي. من ملفّاتي الخاصة عن الروايات المقروءة، الملف الخاص برواية “طشاري”.
“سخام وزقنبوت. هذا كل ما تمكّن قهرها أن يجود به من سُباب. ومع هذا فقد كان عليّ أن أبحث عن حلّ لها ولمشكلة بقائها وحيدة هناك. ولم يخطر على بالي أنّ الأمر يمكن أن يصل إلى التفكير بترك البلد. كان السفر أمنية العراقيين في تلك السنوات وما تلاها، لكن عمّتي بقيت في مكانها لا تتزحزح. كلّهم يهاجرون إلاّها. أطباء وطبيبات وضباط وشعراء وصحافيون ومطربون ورسّامون وأساتذة جامعات ودلاّلات، وهي مقيمة ما بين بيتها وعيادتها. الليل في البيت، والنهار في العيادة. وكانت ياسمين رفيقتها ووَنَسها قبل أن تتزوج وتقفز وراء الحدود، مثل هند وبراق. كلّنا سبقناها ولعبنا الطفّيرة، وظلّت هي على عنادها”. من رواية “طشّاري”، لإنعام كجه جي، ص39-40.