وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
صراخ في ليل طويل: جبرا إبراهيم جبرا
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “صراخ في ليل طويل” (1955)، لجبرا إبراهيم جبرا (بيت لحم/ 1920-1994).
لعل جبرا أكثر كاتب لا نحتاج إلى التعريف به، كونه علماً كبيراً ومثقّفاً مؤثراً في أجيال من المثقفين العرب، وقد توزّع نشاطه الإبداعي على الشعر، والرواية، القصة القصيرة، والفن التشكيلي، والترجمة، والنقد الأدبي، والنقد الثقافية، والعمل الأكاديمي. أشهر وأهم رواياته “صيادون في شارع ضيق”، و”السفينة”، و”البحث عن وليد مسعود”.
“كما في جل روايات جبرا، ربما باستثناء (الغرف الأخرى)، يبرز الماضي مهماً في هذه الرواية، وتحديداً في حضوره في البحث عن سلسلة نسب عائلة، وفي ماضي البطل. لكن الحاضر يحضر قوياً وتمثّله شخصية (رزكان) التي تجذبه في النهاية بعد أن تتحرر هي من الماضي، بيت العائلة، ليترك هو ماضيه المتمثل بـ(سمية) حين تعود إليه فيرفضها.” من الملف الخاص بالرواية ضمن ملفاتي الشخصية عن الروايات المقروءة.
“إنني أحاول أن أصف حقيقتك، ولكنها لا توصف إلا بالرموز، أنتِ الأرض الغنية بالكنوز، أنت البحر في الليلة المقمرة، أنتِ غابة الشعراء، أنت شهوة المراهقين، أنت ضالة الحكماء، إنك ملتقى أحلامي كلها.. أنت الدموع وأنت الابتسام، أنت نار في أيام البرد، وطعام في أيام الجوع…
“فرفعت يمناها توقف بها شلال ألاظي، وقالت مستضحكة:
“أجل يا أنور أنا كل هذه الأشياء معاً، ولكنني أيضاً مخلوق ضعيف أخشى الزكام إذا تعرضت لليح يصبني الصداع في بعض الليالي، فلا أنام…” من رواية “صراخ في ليل طويل”، لجبرا إبراهيم جبرا، ص146.