وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
شوفوني شوفوني: سميرة المانع
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “شوفوني شوفوني” (2002)، لسميرة المانع (البصرة/ 1944-2008).
لم تصدر كاتبة عراقية، قبل سميرة المانع، رواية فنية، فكل ما سبق رواية المانع “السابقون واللاحقون”- 1972- كان محاولات روائية وقصصاً طويلة، لتستحق الكاتبة أن نعدّها رائدة الرواية الفنية النسوية في العراق. ولها، إضافة إلى هذه الرواية، خمس أُخَر أهمها الرواية التي نتوقف عندها اليوم.
“تعكف الروائية أو الراوية/ البطلة على رسم صورة سوداوية للوطن الذي تركته في السبعينيات، وبشكل مبالغ فيه، وكأننا بها تبرر لنفسها أو لبطلتها تخلّيها عنه، وفي ظل ما قد يكون حقيقةً أنها لم تترك الوطن هرباً من معاناة سياسية أو أمنية أو اقتصادية، وما قد يكون موجوداً من ذلك فعلاً فنظنه قليلاً، وهو موجود في كل بلد. ولعل من أغرب ما فعلته تعلقاً بصورة الوطن المتكلفة هذه رسمها لوضع النساء غير المقنع، هو أنها تتكلم هنا عن واحدة من أفضل المراحل التي عاشتها المرأة العراقية”. من دراستي “شوفوني شوفوني، رواية سميرة المانع، العراق أم عراق المؤلففة؟”.
“يأتي المساء فتجتمع مع صويحباتها، أحيانا…، ناسيات طموحاتهن ومبادئهن وأحلامهن، منصاعات… وحينما أخبرتْهن، ببساطة، في يوم من الأيام أنها دخلت للغداء في المطعم الفلاني شهقن ودُهشن لجرأتها: (هذا للرجال فقط! احذري المرة القادمة). اشتكتْ مستغربة: (ولماذا لا آكل فيه وقد سبق أن فعلتُ هذا بالماضي)، أجابت الصديقات بصوت واحد: (هذا بالقديم، أما الآن، فنحن في تراجع. المرأة تمسك أنفاسها، إنها محاصرة أكثر من السابق، لا يحق لها ارتياد المحلات العامة، خصوصاً بمفردها)…
“كانت تسير في الشارع، راضخة للأمر الواقع، في اليوم التالي، ذاهبة للشركة التي تنوي التوظف بها.. لا زالت تلبس السواد حزناً على وفاة زوجها. تضع قلادة ملوّنة للتقليل من إزعاج منظرها البائس للرائي، وحكمتها أن الحزن الحقيقي لا يُقاس بالملابس، حين أمسك أحدهم بكتف صاحبه مستغرباً قرب محل بيع الشراب في منطقة (باب المعظم). كان ينبه عليها سائرة بمحاذاتهما، سمعتْه يستدير بكامل ثقله نحوها، معلقاً على مرآها: (انظر. أظن هذه قحبة)”- من رواية “شوفوني شوفوني” لسميرة المانع، ص77-80.