عن رواية شاي العروس

وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها


شاي العروس: ميسلون هادي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “شاي العروس” (2010)، للروائية ميسلون هادي (بغداد/ 1954).


ميسلون هادي إحدى أهم ثلاث روائيات أو أربع كنّ وراء ما نراها الحقبة الذهبية للرواية النسوية العراقية التي انطلقت منتصف التسعينيات وتواصلت حتى الآن. لها خمس عشرة رواية، وعشر مجموعات قصصية، إضافة إلى أكثر من عشرة كتب أخرى. من أهم رواياتها: العالم ناقصاً واحد، العيون السود، نبوءة فرعون، جانو أنت حكايتي، والأخيرة حائزة على جائزة الإبداع عام 2018.


فلأن البطل في الرواية سيكون، بالضرورة، بين عهدين، عهد ما قبل استرداد نظره وعهد ما بعده، وستتمثل الرواية العهد الثاني تحديداً بالطبع، فإنه بالتأكيد سيكون عهداً جديداً على البطل لأنه سيقدم له العالم، الذي يُفترض أنه كان يعيشه، لكنه لأول مرة يراه، فقد قدم لنا الراوي أول ملمح له وأهمّه، وهو الانفجار، ببساطة لأن العراق هو عراق انفجارات وإرهاب وتقاتُل. وكأننا بميسلون هادي قد وجدت أن هذا العالم، وسط الفوضى العارمة، بحاجة إلى أنْ يُنظر إليه من زاوية على شيء من الحياد والجدة، مع محاولة فهمه وتنميطه، فتُقدّم ذلك من خلال عينَين تريانه لأول مرة. ومع أن استرداد إنسان أعمى لبصره هو موضوع أو حدث كبير، فإنه لا يشكل قضية الرواية على ما يبدو بقدر ما هو آلية أو سبيلٌ أو بوابة لقضية الرواية الحقيقية التي هي أكبر من ذلك بكثير، والذي قد يكون الاطلال على الواقع من مكان ما تمثله، هنا، النظرة الحيادية، ابتداءً على الأقل، لـ(محمود) المستردّ لبصره توّاً. ولهذا، وابتداءً على الأقل أيضاً، فكل شيء يصير مهمّاً عنده، وهو يفتح عينيه فيرى الأشياء لأول مرة تقريباً، كما تصير حياته عبارة عن أسئلة لا تنتهي، يجد لبعضها أجوبة ولا يجد لأخرى، فتبقى محيّرة له وربما معذّبة. والمفارقة أن دخوله العمى حين كان في السادسة من عمره، وهو بعدُ لم يرَ الحياة بما يكفي ليكوّن خزيناً منها في ذاكرته، كان قد جعل حياته حينئذٍ أيضاً سلسلة من الأسئلة التي لا تنتهي.” من كتابي الذي سيصدر قريباً “أمريكا والأمريكي في الرواية العربية”.


“نحن في وادٍ يابس وهم في وادٍ أخضر… نحن في الأرض وهم في القمر… هم كل شيء ونحن لا أحد.. هكذا تقاطع متاعنا مع متاع آخر يجري إلى أمام ويصطنع له وادياً آخر هو وادي الأنوار التي تشبه الظلمات.. تقاطعت كوابيسنا مع أحلامكم السعيدة، فكانت هاجر[عمّته التي تقضي في انفجار] وقوداً لغرفتك الدافئة أكثر مما يجب ولسجادتك الدافئة أكثر مما يجب.. فما رأيك، يا ربيكا، في أن تضعي رأسها المقطوع في مدفأة عيادتك ورجلها المبتورة في مدفأة بيتك، وإذا تبقّى شيء من الأصابع فضعيه في مدفأة سيارتك.” من رواية “شاي العروس، لميسلون هادي، ص204.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عن رواية الضفة الثالثة

وقفات قصيرة جداًعند روايات قرأتها الضفة الثالثة: أسعد محمد عليبعد خمسة عقود من العيش وسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *