عن رواية سيدات زحل

وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها


سيدات زحل: لطفية الدليمي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “سيدات زحل”-2009- للطفية الدليمي (ديالى/ 1939).


لطفية الدليمي إحدى القاصات المؤسِّسات للقصة العراقية القصيرة، ولعلها أهم المتربعات على القصة النسوية العراقية لاسيما في المدة الممتدة من السبعينيات إلى التسعينيات. لكنها روائية كبيرة أيضاً، فضمن الاستفتاء الخاص الذي نظمتُه شخصياً عن الروائيين العراقيين والروايات العراقية الأكثر انتشاراً بين القراء والنقاد خلال المدة الممتدة من 1919 إلى 2010 جاءت الروائية لطفية الدليمي ضمن الروائيين السبعة الأكثر مقروئية.


هو ما يشبه الكتاب بصفحات بيضاء وخضراء وحمراء.. و.. و.. وأواخرها سوداء، قد تلمح فيه ما يجعلك تعرفه أو تحسّه ما هو أو قد تتوقعه، لكنك قطعاً لن تجده كما عرفته وتعرفه.. ذلكم هو عراق رواية “سيدات زحل” للطفية الدليمي. فهو بلد فوضى وفقدان أمن ورعب واستباحة واغتصاب وخطف وتنكيل وفقدان حب واحتلال وعنف واغتيالات وقتل وموت. هو عالم متخيّل مرسوم على الورق، لكنه استيحاء صافٍ وصادق لعراق الواقع. وإذا ما كان هذا هو استيحاءً لبعض تلك الصفحات السوداء، وتحديداً التي مثّلت عراق واقع ما بعد 2003، فإن بعض شخصيات الرواية، أو الراوية أو الكاتبة لم يأبوا إلا أن يروا بعض أملٍ، وإن كان باهتاً، في أن تُطوى صفحات هذا العراق السوداء لتعود صفحاته الملونة. إن رواية “سيدات زحل”، في أحد أوجهها، هي استيحاء من واقع واستقراء لمستقبل مقرون بأمل طالما حملته كاتبتها للعراق، ولبغداد. (من ملاحظاتي الخاصة عن الرواية)


“كنتُ أسمع حفيف الموت حولي مع كل نفَسٍ من أنفاسي، صوت الرجل يرش على جوارحي ترياق النجاة، يرقّيني بتعويذات الهوى، فينسحب الموت مؤقتاً من نبرة النهار وفيء النخيل، يفرّ من رائحة الحب التي تفوح من رعشتي، أسمعه يتقهفر مع دبابات الأمريكان وهرولة المسلّحين الملثّمين في شارعنا المستباح. ينتشلني صوت الرجل من هوة الرعب التي فغرتها الحرب بين أيامي:
“- اهدئي.. قال: كل هذا إلى زوال، سنعبر الزمن معاً، وأُشفي ذاكرتك من هذا الموت وأضرم ناراً في كل شيء ونمضي إلينا وحدنا..”.
“اختفى طيف الرجل، تناءى بين ظلال النخيل وشرر النيازك التي انهمرت على بغداد، حل الفراغ في جسدي، فراغ شاسع له مذاق اليتم تركني بين الأحلام المتهاوية وظمأ القلب..” من رواية “سيدات زحل” للطفية الدليمي.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عن رواية الضفة الثالثة

وقفات قصيرة جداًعند روايات قرأتها الضفة الثالثة: أسعد محمد عليبعد خمسة عقود من العيش وسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *