عن رواية سابع أيام الخلق

وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها


سابع أيام الخلق: عبد الخالق الركابي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بـأول رواية، في آذار 1967، وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ نشر سلسلة وقفات قصيرة، على حسابي في الفيس بوك، مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو من ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات، وهي وفقات بسيطة ولا يمكن أن أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى منتصف السبعينيات حين كنت لما أزل في بداية العشرينيات من عمري. وستكون غالبية وقفاتي وليست جميعها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “سابع أيام الخلق” (1994)، لعبد الخالق الركابي (واسط/ 1946).


لا خلاف حول أن عبد الخالق الركابي هو أحد أهم الروائيين العراقيين، ولاسيما خلال المدة الممتدة من التاسع من القرن االسابق إلى العقد الأول من القرن التالي. الواقع سبق لي أن نظّمت استفتاءً عام 2013 عن أهم الروائيين العراقيين وأكثرهم انتشاراً وأهم الروايات العراقية وأكثرها انتشاراً للمدة 1919-2010، أرسلته إلى أكثر من خمسين ناقداً وأكاديمياً وروائياً، وتلقيت حينها ما يقارب الثلاثين ردّاً. وكان ضمن النتائج التي خرجت بها من الاستفتاء ولم أنشرها لحد الآن، أن جاء الروائي عبد الخالق الركابي ضمن أهم سبعة روائيين عراقيين.


الرواية مما قد نسميها روايات المخطوطة، يكتسب الحدث أو الخط الحدثي الرئيس فيها، وهو البحث عن مخطوطة (الراووق)، كل صفات الحدث الحقيقي، وهذا مما تتميز به الأحداث والشخصيات في سرد الميتافيكشن. فنحن أمام شخص، الراوي أو الروائي، وهو يبحث ويحقق وينقب بحثياً كما لو أنه إنسان معك حقيقةً، وليس شخصيةً روائيةً وحدثاً روائياً كما اعتدناهما في العمل الروائي، بتعبير آخر تكاد تنسى، وأنت تقرأ، أنهما شخصية وحدث متخيّلان ضمن عمل متخيّل. من الملف الخاص بالرواية، ضمن ملفّاتي الشخصية عن الروايات المقروءة.


“وذات صباح تم وضع أول آجرة في أساس القلعة، ونُحرت الذبائح فوق التل، فسالت الدماء خيوطاً متعرجة إلى الأسفل، وفي الوقت نفسه تردّدتْ ملءَ الأسماع صفقة باب كوخ (السيد نور) الذي نفّذ وعيده، فقرر هجر مأواه القديم، ولم تجد معه توسلات الرجال نفعاً؛ فقد انحدر جنوباً، مُسقطاً مع كل خطوة يخطوهها حبةً من مسبحته السوداء الطويلة. ولحظةَ اعترض الوادي سبيله جاءت آخر حبة أسقطها موافقةً لخيرته، فأعلن عن اختياره تلك البقعة مقاماً له حيث لا تصله أصوات الأعمال الجارية في بناء القلعة المشؤومة إلا خافتة يكاد يطغى عليها خرير المياه المنسابة أسفل الجرف، فسارع الرجال من وقتهم وساعتهم إلى إقامة كوخ من لبن وطين أكملوه- ببركة (السيد نور)- خلال ساعات. ونصبوا له باباً زوّدوه بقفل بقي مهملاً في إحدى الكوى؛ إذ إن الكوخ استعاض باسم مَنْ أُقيم من أجله عن أي قفل: لا يقربه مخلوق حتى يرتدّ على أعقابه مسبلَ العينين خشوعاً!” من رواية “سابع أيام الخلق”، لعبد الخالق الركابي، ص101.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عن رواية الضفة الثالثة

وقفات قصيرة جداًعند روايات قرأتها الضفة الثالثة: أسعد محمد عليبعد خمسة عقود من العيش وسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *