عن رواية زوربا اليوناني

وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها


زوربا اليوناني: نيكوس كازنتزاكي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “زوربا اليوناني” (1946)، للروائي اليوناني نيكوس كازنتزاكي (هيراكليون/ كريت- اليونان/1883-1957).


نيكوس كازنتزاكي أحد أشهر الروائيين اليونانيين إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق، أكثر ما عُرف عالمياً، في رواية “زوربا اليوناني” التي تُرجمت إلى معظم لغات العالم، واُنتجت سينمائياً أكثر من مرة، وأنتجت سينمائياً عربياً أيضاً.


يحضر القديم والتراث والموروث الشعبي اليوناني، سواء منه ما حضر واضحاً أو صريحاً، مثل الحكايات الشعبية والعادات وغيرها، أم ضمنياً متمثّلاً في طبيعية بعض الشخصيات وفي الأسلوب والوصف وما إلى ذلك مما انعكس في النتيجة على نص الرواية وعالمها وشخصياتها. زوربا بطل الرواية إنْ هو ذاته، برأيي إلا خلاصة مجموعة تراث اليونان وفلسفاتهم وثقافاتهم عبقرية تراثهم الإنساني، وتراكم خصائص الشخصية اليونانية عبر التأريخ. وأعتقد أن كازنتزاكي قد كوّن عالمه وأكثر من ذلك شخصية بطله من خلال جمع ما يختزنه من ثقافة وسعة معلومات عن بلده اليونان شعباً وتأريخاً وواقعاً من جهة ومعرفته لشخصية زوربا الحقيقية التي يُقال إن كازنتزاكي قد عرفها وأعجب بها. من الملف الخاص عن رواية “زوربا اليوناني”، ضمن ملفاتي الشخصية عن الروايات المقروءة.


“وحل الغسق كغبار ذهبي واجتاح الباحة. والتهبت عقدة السيدة هورتانس المجنونة وتأرجحت في نسيم المساء، وكأنها تريد أن تطير لتحرق الرؤوس المجاورة. واكتسى بالذهب صدرها نصل العاري، وركبتاها المتباعدتان اللتان هدلهما العمر، وغضون عنقها، وخفّاها المنثنيتان.
“وارتعدت جنّيتنا العجوز، وراحت تنظر بعينيها الصغيرتين نصف المغلقتين المحمرّتين بسبب الدموع والخمر، تارةً إليّ وتارة إلى زوربا، الذي ارتمى، وقد جفّت شفتاه، على صدرها، واشتد الظلام. كانت تنظر إلينا نظرة استفهام، محاولة أن تميّز أيّنا كانافارو…
“كان زوربا يشتعل اشتعالاً. وبينما كانت يده اليسى تسوّي شاربه، كانت يده اليمنى تنساب فوق المغنية النشوى. كان يتكلم ولهاثه متقطّع، وعيناه متعبتان. ولا شك أنه لم يكن يرى أمامه تلك العجوز المحنّطة المطلية بالمساحيق الكثيرة، بل كل (الجنس الأنثوي)، كما اعتاد أن يسمّي المرأة، وراحت الفردية تختفي، والوجه يمحى، سواء كانت شابة أم هرمة، جميلة أم قبيحة، فهذه لم تعد سوى صور لا أهمية لها، فوراء كل امرأة ينتصب وجه أفروديت، صارماً، مليئاً بالأسرار.” من رواية “زوربا”، لنيكوس كازنتزاكي، ص47-48.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عن رواية الضفة الثالثة

وقفات قصيرة جداًعند روايات قرأتها الضفة الثالثة: أسعد محمد عليبعد خمسة عقود من العيش وسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *