عن رواية خريف الدرويش

وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها


خريف الدرويش: إبراهيم الكوني
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “الحمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “خريف الدرويش” (1996)، للروائي الليبي إبراهيم الكوني (غدامس- ليبيا/ 1948)، علماً بأن المؤلف يوصّفها تحت العنوان بـ”رواية- قصص- أساطير”.


إبراهيم الكوني أبرز روائي ليبي على الإطلاق، وهو يكتب في مجالات مختلفة، فألّف، في الرواية والقصة والنقد واللغة والتاريخ والسياسة، ما يقارب الثمانين كتاباً. عرفت رواياته، وكما كتابات أخرى، اهتمامها بالصحراء وعوالم الصحراء والصحراويين. من رواياته المهمة: “نزيف الحجر”، و”المجوس”، و”الناموس”، و”خريف الدرويش”.


“إن قصة “الحية” إنما هي موظفة ضد العرب؟ هذا يضعنا في حيرة إزاء صعوبة تفسيره، والقصة برأينا عصية على تأويل آخر. بعبارة أخرى يضع هذا أمامنا نقيضين لا يجتمعان: أولهما أن القصة لا يمكن– وفق الرؤية وخطوات التأويل التي سرنا عليها بما يسندها مما ذكرناه– إلا أن تكون ذات دلالة معادية للعرب؛ والثاني أن الكاتب، وهو عربي، لا يمكن أن يكون معادياً للعرب. فهنا لا نمتلك القدرة على الحسم في حل هذه الإشكالية وإزالة ما يبدو لبساً. ولعل ما يزيد من صعوبة هذا أن قصصاً أخرى من المجموعة قد انطوت على ما قد يلتقي مع عناصر التأويل الذي خرجنا به من قصة “الحية” لنجد أنفسنا، كما وجدناها عند قراءة القصة، وقد اشتدت حيرتنا فلا نجد منها مخرجاً ونحن نعود إلى هوية الكاتب التي عمدنا إلى تناسيها سابقاً، إلاّ بتساؤل لا نجد له جوابأً إلاّ عند الكاتب: لماذا كل هذا؟ أمّا إذا كان هناك، انطلاقاً من تعددية القراءة والتأويل، من تأويل آخر بديل لهذا الذي خرجنا به، فيجب أن يحل ابتداءّ أو انتهاءً إشكاليات الرموز وعدم إهمالها، وهو ما لا أظنه عندها سيكون مقنعاً بديلاً عن تأويلنا.” من دراستي عن الرواية في كتابي “هذا الجانب من مكان صاخب”.


“غاب شبح الحية، وعانى من شراسة الجمل. ويعترف الآن أنه لم يشعر نحو هذه المخلوقات البشعة إلا بالجفاء، إن لم يكن العداء، عداء يرجع، ربما، إلى ذلك العهد الذي اكتشف فيه الشبه بينها وبين الحية. ولم تفلح معاشرته للإبل، في المراعي، في التخفيف من العداء، بل غذّت نار الكراهية، وضاعفت العداء الخفي الذي لم يجد له سبباً مقنعاً. ولم يدرك أن الشعور كان متبادلاً إلا عندما فوجئ بثني [جمل] متوحش ينقض عليه.. عندما هجع تحت طلحة لقضاء القيلولة، نجا من العدوان بأعجوبة لن ينساها، ولكنه لم يجد سبباً واحداً يبرر الهجوم الغادر. وقتها تذكر وصية الناموس: احذر ثلاثة: العبد، والجمل، والسيل. خنقه الغضب، وبحث عن متنفس للغصة، استعان بأحد رعاة الجوار، فقيّد الثني الشقي… وتناول عصا السدر وبدأ ينتقم وينفّس عن نفسه الغصة”. من كتاب “خريف الدرويش”، لإبراهيم الكوني، ص74.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عن رواية الضفة الثالثة

وقفات قصيرة جداًعند روايات قرأتها الضفة الثالثة: أسعد محمد عليبعد خمسة عقود من العيش وسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *