وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
الوشم: عبد الرحمن مجيد الربيعي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “الأنهار” (1974)، لعبد الرحمن مجيد الربيعي (الناصرية/ 1939).
عبد الرحمن مجيد الربيعي أحد أقطاب القصة والرواية العراقيتين، لاسيما في الستينيات والسبعينيات. له العديد من الروايات وأشهرها “الوشم”، والعديد من المجموعات القصصية وأشهرها “السيف والسفينة”.
أنت منذ النوم”- 1968- للأردني تيسير السبول، و”كانت السماء زرقاء”- 1970- للعراقي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، و”الوشم”- 1972- للعراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي، ثلاث روايات شكلت، في تقنياتها الحديثة وغير المسبوقة كشفاً وتأسيساً لمسار فني رائد في الرواية العربية، سيسير عليه العشرات، وربما المئات من الروائيين العرب، وتمثّلَ في الاستخدام الواعي والناضح لتقنيات تيار والوعي مع أساليب التحديث الفني للزمن الروائي، وضمن ذلك القفزات عبر الأزمان المختلفة والتقطيع والمونتاج. ولعل الربيعي في “الوشم” هو الأنضج في هذا بين الثلاثة وتبعاً لذلك الأكثر تأثيراً في غيره من الروائيين والقصاصين العرب، الأمر الذي يضع روايته ضمن أبرز بضع روايات عراقية، خصوصاً وهي سجلت ريادة في موضوعها أيضاً، موضوع (السقوط السياسي). “إن (الوشم)، بموضوعها ومعالجاتها لهذا الموضوع، وبتقنياتها المتقدمة والناضجة، تُعدّ بحقّ عملاً متقدماً في حقل الكتابة الروائية في العراق، وفي عموم الوطن العربي”. من كتابي “الرواية في العراق 1965-1980، وتأثير الرواية الأمريكية فيها.
“تنفس كريم الناصري هواء الشارع بعد اختناق عريض. سبعة شهور حائرة طوقته بدقائقها ووعيها، وهرست منه الدم والعظم والأعصاب.
“خرج كريم الناصري سالماً، طويلاً ومبتسماً، يتفقد الأصدقاء ويرد التحية على الآخرين ويستقبل تهنئتهم بمناسبة إطلاق السراح. ولكن في داخله كان هناك شيء قد نُسف. وهذا الإطار الاعتيادي الوقور ما هو إلا قناع لإضفاء البقايا وتغطية التدمير الذي لا يرمم”. رواية “الوشم” لعبد الرحمن مجيد الربيعي.