وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
الوجه الآخر: فؤاد التكرلي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “الحمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “الوجه الآخر” القصيرة (1961)، للروائي فؤاد التكري (بغداد/ 1928-2008).
فؤاد التكرلي هو بحق عملاق الرواية العراقية، وأحد عمالقة الرواية العربية. له دور كبير في تطور كلا القصة القصيرة والرواية العراقيتين، خلال امتداد زمني ليس بالقصيرة، بدءاً بأوائل خمسينيات القرن الماضي وحتى وفاته عام 2008. لعل أهم أعماله “الوجه الآخر” قصة طويلة ومجموعة قصصية، و”الرجع البعيد”، و”المسرات والأوجاع”.
“(محمد جعفر)- محور القصة وبطلها- شاب مثقّف مأزوم، وأزمته مركّبة، فهي فكرية اجتماعية مادية (اقتصادي) جنسية. هو يقرأ ويمارس الكتابة، لكن دون أن يجد لذلك أي صدى في ما حوله من مفردات العالم الذي يضيق به. ومن عدم الاستيعاب هذا بين البطل وعالمه يبرز جوهر الأزمة وتتطور إلى أزمة إنسان لا يجد له مكاناً فيما حوله ولا بين من يحيطون به، بل إلى أزمة بينه وبين نفسه وفق توزعه فيما بين نزعات مختلفة ومتصارعة تتراوح بين ارتباط بالذات وارتباط بالعالم وبالناس وبجوهر الإنسان وطبيعته كما يفهمها هو وكما يفهمها الآخرون… وبعد أن يكون الكثير من ذلك كامناً وهادئاً ظاهرياً يأتي التفجر الكبير في حياته الذي يبدأ بإلغاء تدريجي لكل تحفّظ، مثيراً كل مكامن الحياة والتفكير المسموح به وغير المسموح، والتأرجح بين الالتزام بالذات- الهروب والاستجابة للرغبات الخاصة والسير وراء المصلحة الذاتية- والالتزام بما يفرضه الآخرون ويفرضه العرف (وما يجب أن يكون أو يُفعل).” من كتابي “التجربة الروائية في العراق في نصف قرن.
“إن هناك أمراً واحداً يستحق أن يفكر فيه. كيف نعيش، في هذا العالم الذي ليس لنا، الذي لم نملكه يوماً، لم نملكه يوماً؟؟ كيف نعيش لنموت آخر العمر؟ وهل هناك، أمام الموت، حياة أفضل من الأخرى؟ نعم، أنْ تملك كل شيء، أن تعيش في قصر باذخ برفقة نساء جميلات، وأن يمكنك.. هل هذا ضروري؟ أن تكون إنساناً شريفاً. وما معنى ذلك؟ إن الشرف لا يوقف آلام البشر، ولا حتى آلام فرد مفرد.” من رواية “الوجه الآخر” القصيرة، لفؤاد التكرلي.