عن رواية المسرات والأوجاع

وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها


المسرّات والأوجاع: فؤاد التكرلي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً، في آذار 1967، بأول رواية قرأتها وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة جداً، مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “المسرّات والأوجاع” (1998)، لفؤاد التكرلي (بغداد/ 1928-2008).


فؤاد التكرلي هو بحق عملاق الرواية العراقية، وأحد عمالقة الرواية العربية. له دور كبير في تطور كلا القصة القصيرة والرواية العراقيتين، خلال امتداد زمني ليس بالقصيرة، بدءاً بأوائل خمسينيات القرن الماضي وحتى وفاته عام 2008. لعل أهم أعماله “الوجه الآخر” قصة طويلة ومجموعة قصصية، و”الرجع البعيد”، و”المسرات والأوجاع”.


مع ما تنفصل فيه الرواية عن مجمل أعمال التكرلي السابقة، رواياتٍ وقصصاً قصيرة، فإن فيها من “الرجع البعيد” شيئاً ليس بالقليل، خصوصاً في شخصية (توفيق) التي تذكرنا- ومرة أخرى مع ما فيها من اختلاف- بشخصية (منيرة) خصوصاً في صموده رغم ما يتعرض له من أذى وألم وظلم، وفي حضور جوهر الإنسان فيه، كما نعتقد أنه يجب أن يكون، في نقائه وشرفه ورُقيه. بذلك كله وبفعل حضوره فيه شخصيةً وسلوكاً ينكشف الآخرون أمامه، أم هل نقول أمامنا؟، ليتوزّعوا ما بين الاتصاف بالنقاء والسمو، أو بالتوّث والسقوط، ولهذا من اتصف بالنقاء والسمو انجذب بقوة غير مرئية نحو (توفيق)، كما هي حال (آديل)، و(أنوار)، و(نجية) و(فتحية)، و(غسان)؛ ومن اتصف بالتلوّث والسقوط عبّر عن ذلك برغبة مجنونة وشاذة صراحةً وبدون مخاتلة بمعاداة (توفيق) وإلحاق الأذى به، كما هو حال (ثريا) زوجة أخيه، و(سليمان فتح الله)، و(عبد الباري القصابي)، و(ممتاز). ووسط ذلك كله لا ننتظر من الإنسان، حين يمتلك الجوهر، إلا أن ينهض، كما فعل (توفيق) دوماً. من الملف الخاص بالرواية، ضمن ملفاتي الشخصية عن الروايات المقروءة.


“الإنسان مثله، المدافع عن كينونته التي ديست، يمكن له، أليس كذلك؟، أن يتحاشى استمرار سحقه، أنْ ينهض من ركام بقاياه ويتجدد، بحيث يتحول ما حدث إلى رماد تنثره الريح. فهذا الماضي مدين ببقائه إلى النفس الإنسانية التي ترضى بأن تُدمغ به. أما حين يمحو الإنسان/ الفرد إشارة اللعنة تلك، فسيكون قج مارس عملية معجزة فحواها أن (الحدث) قد مضى، مضى ولم يترك إثراً، مضى مثل كل الأمور التافهة الإخرى في الحياة المتسعة هذه. أخذوه، إذن، ذلك الصباح من ركنه المليء بالأحلام، لأنهم كانوا أربعة مدجّجين بالسلاح، هو، فرداً فرداً، غير قادرين على مواجهته ولا على إهانته أو تركيعه. كانوا ضعفاء، أضعف منه بكثير… وباجتيازه ذياك الامتحان الوحشي غير المفهوم، كان هو، هو البريء، النظيف اليد المسلوب الحق الأبييض الصفحة، وكانوا، صاروا جميعاً، سود الوجوه والنفوس والأفعال، مدموغين بهذه الصفات إلى الأبد.” من رواية “المسرات والأوجاع”، لفؤاد التكرلي، ص256.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عن رواية الضفة الثالثة

وقفات قصيرة جداًعند روايات قرأتها الضفة الثالثة: أسعد محمد عليبعد خمسة عقود من العيش وسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *