وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
المسخ: فرانز كافكا
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “المسخ” القصيرة(1980)، للروائي التشيكي فرانز كافكا (براغ/ 1883-1924).
يُعد فرانز كافكا أحد أهم روائيي وقاصي النصف الأول من القرن العشرين والقرن بشكل عام، وله أسلوبه وخصائص أدبه وعوالمه الكابوسية الخاصة التي لا يكاد يشترك معه فيها، مجموعةً، أحد من الأدباء، مع أنه أثّر في الكثيرين. أشهر أعماله: روايات (القضية) و(القصر) و(أمريكا) ورواية (المسخ) القصيرة، وبعض قصصه القصيرة مثل “سور الصين العظيم” و”في مستوطنة العقاب” وغيرها.
“إذ تقع أحداث (المسخ) في بيت بطلها (غريغور سامسا) وفي الغالب في غرفته- يتسلل المكتب أو المؤسسة إلى البيت من خلال تناهي صوت كبير الموظفين إلى سمع البطل (غريغور سامسا) وهو يسأل عنه. وما يلفت النظر هنا أن انقلاب البطل إلى حشرة لا يثير في نفسه الرعب والخوف بقدر ما يثيره ما يمكن أن يؤدي إليه هذا الانقلاب من إرباك واضطراب في علاقته بالآخرين، ووجوب أن يلبي حاجة المكتب أو المؤسسة له، ولعل ما هو أكثر مأساوية من هذا، وقبله من تحوله إلى حشرة، هو إحاس أهله، بمن فيهم أخته التي يحبها، بما قد يشكله لهم انكشاف أمر تحوّله، وليس تحوله نفسه، إلى حشرة للناس من إرباك وخجل، وما إلى ذلك.” من إحدى دراساتي عن تأثير كافكا في الرواية العربية.
فبينما يعجز (غريغور سامسا) عن التمرد على الآخرين الذين هم الأهل- الأب منهم خصوصاً- والمكتب أو المؤسسة التي يعمل فيها، فإنه في الوقت نفسه لا ينقاد إليهم. إنه يفعل ذلك عبر وسيلة تراجيدية، إذ يموت وهو “استشعر ارتياحاً نسبياً. صحيح أن جسده كله كان يؤلمه، ولكن لقد بدا وكأن الألم كان يتضاءل، وأنه سيتلاشى آخر الأمر… وكان يفكر في أسرته بحنان وحب. وكانت الفكرة القائلة بأن عليه أن يتوارى [أي يموت، التي عبّرت عنها أخته التي يحبها] فكرة تعلّقَ بها أكثر من تعلق أخته نفسها… وعاود وعيه من جديد أول انتشار النور ف يالعالم خارج النافذة. ثم غاص رأسه طوعاً إلى أرض الغرفة، وانطلقت من منخريه زفرة من أنفاسه الواهنة”. من رواية “المسخ” القصيرة، لفرانز كافكا.