وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
(
اللجنة: صنع الله إبراهيم
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “اللجنة” (1980)، لصنع الله إبراهيم (القاهرة/ 1937).
صُنع الله إبراهيم أحد أهم روائيي مصر، وتحديداً خلال العقود الخمسة السابقة، وله إسهامات في القصة القصيرة وقصص الأطفال. أكثر ما عُرف بروايات “اللجنة” و”ذات” و”نجمة أغسطس”.
“كما في أعمال كافكا، من الواضح أننا لا نعرف ماهية اللجنة ولا عن ماذا تقوم بمقابلة البطل، ولا نعرف طبيعة قرارها المنتظر بخصوصه، بل نحن قبلاً لا نعرف ما هي قضية هذا البطل أصلاً، تماماً كما أن قضيتي (ك) في (القضية) و(القلعة) ليستا مهمتين وهما لن تغيرا مما تريد الروايتان أن تقدماه أياً كانت. ولكن المفارقة والجميل هو أن ذلك يبدو وكأنه ليس مهماً بقدر أهمية طبيعة المقابلة والإجراءات البيروقراطية التي تتبعها في ذلك وفي عموم عملها. ولعل اللقاء الأول بينه وبينها يكشف لا عن طبيعة تخصص اللجنة ومهامها ومرجعياتها، بقدر ما تكشف عن طبيعة غموضها ولغزيتها، والأهم كابوسيتها وبيروقراطيتها، حتى دون أن نعرف من أجل ماذا تمارس تلك البيروقراطية”. من كتابي “هذا الجانب من مكان صاخب”.
“وقفت في الخارج حتى انتهى الحارس من ترتيب القاعة، وإغلاق نوافذها. وما أن ظهر عند الباب حتى أسرعت أقدّم له سيجارة وأشعلها له. قلت له: أيمكنك أن تذكر أقصى عقوبة لدى اللجنة؟
هز رأسه باعتداد وقال: اللجنة ليست محكمة.
قلت مستدركاً: أعرف. ما أقصده هو أقصى عقوبة في نظرها.
قال: هذا يتوقف على أمور كثيرة.
قلت: بالطبع.
قال: ولكل حالة خصوصيتها.
قلت: مؤكد.
قال: في حالتك أنت- التي تابعتُها باهتمام- ليس هناك أقصى ولا أقسى من الأكل.
تساءلت في دهشة: الأكل؟ من يأكل وماذا يأكل؟
تأملني برهة ثم قال بتؤدة وهو ينحني ليرفع مقعده: أنت تأكل نفسك”. من رواية “اللجنة”، لصنع الله إبراهيم، ص105.