وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
القلعة الخامسة: فاضل العزاوي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “القلعة الخامسة” (1972)، لفاضل العزاوي(كركوك/ 1940).
فاضل العزاوي شاعر وروائي ومترجم ولد في مدينة كركوك العراقية عام 1940. وهو أحد مؤسسي (جماعة كركوك) المعروفة في مسيرة الثقافة والأدب العراقيين، إلى جانب سركون بولص وجان دمو وآخرين. له سبع روايات أهمها، إلى جانب “القلعة الخامسة”: “الديناصور الأخير”، و”آخر الملائكة”.
“مع التحول المثير في مسيرة الكاتب من عوالم التجريد والتجريب والرمز والرمزية، والعبث اللاّمعقول إلى العوالم الواقعية والاّسلوب الواقعي، فإن شيئاً من أنفاس كافكا بقيت تتردد مسموعةً في أعماله اللاحقة. وضمن هذه الأعمال التي اشتملت على مثل هذا روايته الثانية “القلعة الخامسة”، في انطلاقها من ذلك الإحساس بالاضطهاد وبجور السلطة أو الآخرين، وهو الإحساس الذي انطلق منه كافكا فعلاً، سواء منه ما كان مصدره ذاتياً وعائلياً، أم اجتماعياً وبيئياً. ولكن منطلق هذا الإحساس لدى العزاوي، وكما يبدو واضحاً في موضوع روايته ومسار أحداثها، كان منطلقاً سياسياً يعكس، كما يبدو لنا، أجواء الستينيات في الوطن العربي عموماً، والعراق خصوصاً، حيث سادت الصراعات بين الأحزاب والفئات السياسية المختلفة والانقسام الاجتماعي الناتج عن ذلك، وعمليات القمع والاضطهاد والتصفية التي كان الفرد العربي، وربما لا يزال، يتعرض لها، والجور واللاعدالة المتجسدة في سلوكيات السلطة- أية سلطة- وفي تعاملها مع هذا الفرد، الأمر الذي كان يولّد ، كما تولد قبل ذلك عند كافكا وعند أبطاله، الإحساس بالقهر والاضطهاد وشعور هذا الفرد بأنه مطارد أو غير مرغوب فيه. لقد كانت النتيجة في تعامل العزاوي مع هذا كله، وبتأثير تجربة كافكا كما نرى، تشابهات بين “القلعة الخامسة” وبعض أعمال كافكا، وخصوصاً (القضية)”. من دراستي “كافكا في الرواية العربية”.
“لقد احتجت إلى شهور طويلة حتى أدرك أنني معتقل. فقد انتهت احلامي فجأة واستيقظت… لأكتشف بكل قسوة ومرارة أن العدالة قد لا تكون دائماً إلى جانب البراءة، بل إنها تتعمد أحياناً أن تكون في الجانب الآخر حيث يكثر الضحايا والشهداء”. من رواية “القلعة الخامسة”، لفاضل العزاوي، ص37.