وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
الطاطران: عبد الستار ناصر
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بـأول رواية، في آذار 1967، وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ نشر سلسلة وقفات قصيرة، على حسابي في الفيس بوك، مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو من ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات، وهي وفقات بسيطة ولا يمكن أن أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى منتصف السبعينيات حين كنت لما أزل في بداية العشرينيات من عمري. وستكون غالبية وقفاتي وليست جميعها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “الطاطران” (2007)، لعبد الستار ناصر (بغداد/1947-2013)
عبد الستار ناصر أحد أكثر كتاب القصة والرواية غزارة وشعبية وانتشاراً بين القراء، لا سيما في المدة الممتدة من منتصف السبعينيات إلى منتصف التسعينيات. هو في الأصل قاص وله من المجاميع القصصية العشرات، ولم يكتب في الرواية قبل منتصف التسعينيات إلا محاولتين قصيرتين، لكنه نشر، خلال السنوات الاثنتي عشرة أو الثلاث عشرة الأخيرة من حياته، نشر أكثر من عشر روايات.
“أسلوب عبد الستار ناصر في هذه الرواية، هو عينه أسلوبه الذي ألفناه وأحببناه في قصصه القصيرة التي كتبها على امتداد ما يقارب الأربعين سنة، بلغته العذبة ورومانسيته التي لا تكاد تفارق عبارة أو جملة، إن لم نقل كلمة فيه، وذاتيته المحببة، وفي كل ذلك تعامله مع الأحاسيس والتخيلات أكثر منه مع الوقائع. وعبد الستار ناصر يُبدي شغفاً في ذلك كله حد هيمنة الذات والذاتي وعشق اللغة مما يكاد يجعل الكثير من قصصة قصائد شعرية، طالما أحبّها القرّاء، لاسيما الشباب منهم، ليكون بها أحد أكثر الكتاب العراقيين انتشاراً وشعبية. ولكن هل ينفع هذا مع الرواية؟ أشك، وهو الشك الذي يتعزز لديّ وأنا أرى أن الإغراق فيه لم يناسب الرواية التي بين يديّ، كونه كان على حساب المسار الدرامي المهم للرواية، ومع هذا هو لم يُضعف الرواية بالمحصلة النهائية. من الملف الخاص بالرواية، ملفّاتي الشخصية عن الروايات المقروءة.
“- اسمك محمود؟ لم أكن على يقين- وقد سمعت اسمي بين شفيتها- أن المحمود هو نفسه الذي أحمله بين طيات ملابسي، سعته ملايين المرات وتكرر في كل مكان، في زمن الصبا والطفولة ولم يكن هو نفسه الذي نطقت به تلك المخلوقة العجيبة التي جاءت من أعالي هولندا. جاء النادل الأنيق، أخبره ممدوح أن يأتينا بثلاث كؤوس من البيرة، رأيت بنفسي كيف أن النادل- وهو ابن هذا العالم السحري المنقوش بالجمال- توقف قليلاً وراح ينظر إلى (أرين)، ثم مضى يتلفّت نحوها.. سألت نفسي: إذا كان ابن فينيسيا توقف مبهوراً، فماذا يقول هذا الكسول الذي جاء سهواً من زقاق الطاطران؟” من رواية “الطاطران”، لعبد الستار ناصر، ص42.