وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
الثلاثية الأولى: جمعة اللامي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “الثلاثية الأولى” القصيرة، الصادرة ضمن مجموعة “الثلاثيات” (1979)، لجمعة اللامي (ميسان/ 1948).
جمعة اللامي أحد رموز القصة القصيرة العراقية إلى جانب محمود أحمد السيد وعبد الملك نوري وفؤاد التكرلي وعبد الرحمن مجيد الربيعي وجليل القيسي ومحمد خضير ولطفية الدليمي وميسلون هادي، وربما آخرين، ومن مجاميعه القصصية المهمة: “من قتل حكمت الشامي”، و”أليشن”، و”الثلاثيات”. لكنّ له شأناً في الرواية العراقية أيضاً، وله فيها: الثلاثية الأولى”، و”مجنون زينب”، والمقامة اللامية”.
“ثلاثة أشياء أجدها متلازمة في حضورها في القصة الطويلة الرواية القصيرة (الثلاثية الأولى)، كما في جُلّ كتابات جمعة اللامي الأخرى، وقلّ اجتماعها في كتابات كاتب واحد غيره. هذه الأشياء الثلاثة هي أولاً المحلية التي قد تشمل وقد لا تشمل التراث والتراث الشعبي، وكثيراً ما نجدها في كتابات كُتاب كثيرين، وثانياً اقتران هذه المحلية بفكر عميق يتبناه الكاتب، وقلّ مثل تحقّق هذا الاقتران لدى كُتّاب آخرين، وثالثاً التوظيف، نعني توظيف المحلية المقرونة بالفكر في العمل السردي بوعي وإقناع، وهذا هو الذي قلّ تحقّقه، لتكون النتيجة ما قلناه عن قلّة تحقق حضور هذه الأشياء الثلاثة في كتابات كاتب، كما تحقق في هذه القصة الطويلة وفي كتابات جمعة اللامي عموماً.” من الملف الخاص عن الرواية، ضمن ملفاتي الشخصية عن الروايات المقروءة.
“وفي داخل المقهى، بعد أن أغلق الباب خلفه، نهض الأعرابيان، وأخذ كلٌّ منهما ينفض عباءته، وانسلاّ دون صوت إلى الخارج، وكان كريم قد صحا من سكرته، بينما جلس غريب القرفصاء يرسل بصره إلى السهل الرملي من خلال نافذتَي المقهى.
“- ستسافر؟ سأل غريب.
“- نعم. أجاب سعيد.
“وصاح صاحب المفهى:
“- غريب.. يا غريب المتروك وصلت جنازة.
“نظر سعيد إلى غريب، وكان كريم البقال يفرك عينه، وجاء صوت صاحب المفهى مرةً ثانية:
“- غريب، وصلت جنازة جديدة.” من قصة “الثلاثية الأولى” القصيرة، لجمعة اللامي، ص66.