عن رواية الاغتيال والغضب

وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها


موفق خضر: الاغتيال والغضب
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “الاغتيال والغب” (1975)، لموفق خضر (بغداد/ 1940-1980).

موفق خضر أحد قصاصي الستينيات الذين تواصل نتاجهم بعد الستينيات، ولكن مع تغير في توجهه الفني ليصير أقرب إلى الواقعية منه إلى الاتجاهات الأخرى. له خمس مجموعات قصصية، وروايتان قصيرتان، إضافة إلى الرواية التي نتوقف عندها وقفتنا القصيرة هنا.

تتعامل رواية “الاغتيال والغضب” مع التجربة السياسية في العراق، وتتمثل تحديداً في قصة السياسي السابق (سمير أحمد رؤوف) الذي تؤثّر فيه تجربة حزبه الفاشلة، فينهار الكثير من قيمه فيستبدل نضاله والتزامه بالتسلق الطبقي. للتعبير عن هذا كله يلجأ الروائي إلى ما يشبه اللعبة، فيجد البطلُ الملوّث، أو المتخلّي عن النقاء والالتزام (سمير أحمد رؤوف) نفسَه ملاحقاً من رجل غريب يكتشف أن اسمه (سمير أحمد رؤوف) أيضاً، لنعي بسهولة أن هذه الملاحقة الغريبة، التي تكون هي خط الرواية، ملاحقة غير حقيقية، وربما جاز لنا القول إنها رمزية متخيّلة. يؤكد ذلك أنها تنتهي بمبارزة غير واقعية بالمسدسات بين الاثنين، يقوم البطل فيها بقتل الآخر. ونعتقد، ومن الواضح أن الرواية، أو الملاحقة وما قادت الرجلين إليه من مبارزة ومقتل الآخر، تريد أن تقول إن الصراع كله ما بين (سمير) والآخر إنْ هو إلا عبارة عن صراع داخلي ما بين البطل كما صار في الحاضر، وذلك الذي كان في الماضي. ووفقاً لذلك فإن قتل الآخر إنما هو قتل الجوهر حيث النقاء والالتزام، وبما يعني سقوط البطل نهائياً. من كتابي “التجربة الروائية في العراق في نصف قرن”.

“- لا مفر من هذا الإحساس اللعين الذي ينتابني الآن يا عبد الرحمن.. أنت تدري ما بنفسي وما صنعت بحياتي.. إنني الضحية.. إنني أنا القاتل والقتيل..
“- قلت لك لا تسترسل في الحزن.. كنْ رجلاً..
“- ولكني أنا القاتل والقتيل.. لم يكن ذلك الرجل الذي ظل يلاحقني كاللعنة الأزلية، لم يكن هو القتيل.. صدقني.. أنا هو.. أنا هو القتيل كما أنا القاتل..”. من رواية “الاغتيال والغضب”، لموفق خضر، المجموعة الكاملة، 1:335.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عن رواية الضفة الثالثة

وقفات قصيرة جداًعند روايات قرأتها الضفة الثالثة: أسعد محمد عليبعد خمسة عقود من العيش وسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *