وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
الأيام المضيئة: شاكر جابر
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “الأيام المضيئة” (1961)، لشاكر جابر (بغداد/ 1929).
شاكر جابر كاتب غير معروف كثيراً بين الروائيين العراقيين، ولكنّ روايته القصيرة “الأيام المضيئة”هي إحدى روايتين فقط له، تُعد إحدى المحاولات الروائية التي سبقت بقليل الرواية الفنية الأولى “النخلة والجيران”- 1966- وربما هيأّت لها، إلى جانب “الوجه الآخر” لفؤاد التكرلي، و”حياة قاسية” لشاكر خصباك، و”السجين” و”الأخطبوط” لأنيس زكي حسن، و”الزقاق المسدود” و”كما يموت الآخرون” لياسين حسين وكلها صدرت خلال المدة الممتدة من 1959 إلى 1965.
بعد افتراقهما زمناً، يلتقي بطلا الرواية صدفةً في قطار يتجه إلى مكان ما حيث السجن الذي يكون أخو صديق (محمود)، (زكي)، وأخو (مديحة) معتقلَين فيه.. وفي أسطر أخيرة، يضع الكاتب النهاية المفتوحة لقصته.. "وظل القطار يسير ونحن نستعيد ذكرياتنا.. وأيامنا المضيئة". وتترك هذه الجملة الأخيرة، التي هي خاتمة إحدى أجمل النهايات التي قرأناها في القصص والروايات العراقية، أمرَ استنتاج ما يمكن أن يكون من شأن البطلين، بعد انتهاء الرواية، إلى القارئ. من كتابي "التجربة الروائية في العراق في القرن العشرين.
“- أفكّر بكتابة شيء، ماذا تقولين؟
“- ولِمَ لا…. أكتبْ ما دمتَ تستطيع الكتابة.
“- ولكن ما الفائدة إذا لم أستطع نشر ما أكتب..
“- ولكن بإمكانك أن تكتب شيئاً من الممكن نشره.
“- هذا صحيح إذا كان عن الحب، وحتى هذا الموضوع لا يكتبون عنه بنيّة حسنة.
“- ولماذا لا تكتب أنتَ بنيّة حسنة.
“- أتسمحين لي؟
“- أنا؟
“- نعم أنتِ.
“وظل القطار يسير ونحن نستعيد ذكرياتنا.. وأيامنا المضيئة”. من رواية “الأيام المضيئة”، لشاكر جابر، ص94-95.