وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
أنت منذ اليوم: تيسير السبول
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “أنت منذ اليوم” (1968)، للروائي الأردني تيسير السبول (الطفيلة- الأردن/ 1939-1973).
تيسير السبول أحد أهم الروائيين الذين منحوا الرواية الأردنية فنّيتها، إلى جانب غالب هلسا. أقدمَ على الانتحار، وهو بعد في الرابعة والثلاثين من عمره، بطلق ناري في أعقاب ما رآه، وكما الكثير من المثقفين العرب اغتيالاً لنصر حرب تشرين العظيمة سنة 1973، في (خيمة الكيلو 101).
إحدى ثلاث روايات عربية رائدة في اعتمادها الفني الكامل على تقنيات تيار الوعي، وتوظيفها لما يناسبها من موضوعات وشخصيات: “أنت منذ اليوم”- 1968- للأردني تيسير السبول، و”كانت السماء زرقاء”- 1970- للعراقي/ الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، و”الوشم”- 1972- للعراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي. “إن تيار الوعي الذي رأينا تيسير السبول عارفاً به ومتمكنا منه تماماً، في زمن لم يكن ليتاح لأي كاتب أن يستخدمه بنفس الوعي والتمكن والنتيجة، مكّنته من استخدام تقنيات، هي تقنيات هذا التيار، جنّبت العمل التقاليد المرهقة له، دون ان يعني هذا بالطبع الابتعاد عما يناسبه من تقاليد عرفت في كتابة الرواية. المهم هنا أن هذه التقنيات تحديدا قد جاءت ملائمة لطبيعة التعبير الذي أراده الكاتب وهو يتعامل مع موضوع يحمل في ثناياه خطورة المباشرة والخطابية”. من دراستي “(أنت منذ اليوم) لتيسير السبول، والتأسيس الفني للرواية الأردنية”.
“رأيته من النافذة، واقفاً بباب المطبخ وبيده العصا، وينظر شمالاً من حيث أتت.. سار نحونا فعرفتُ أن القطة قد دخلت وأن العملية ستبدأ. لا أريد ان أراها. سمعته يصفق الباب فعبرتُ إلى الصالون، وهناك التقينا الثلاثة ولا مجال للخروج، تلمستْ الزوايا وهي تموء بخوف، تبعَها وضربَها قاصدا الرأس فأصاب الظهر. تدحرج جسدها مرتين ولاذت بالنافذة، وسمعت صوت مخالبها المحتكة بالزجاج. قفزتْ فضربها وأصاب الرأس، فنفر دمها ورش الأرض”. من رواية “أنتَ منذ اليوم”، لتيسير سبول، ص13.