وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
أغنيات الطريق إلى حلبجة: عبد الكريم يحيى الزيباري
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “أغنيات الطريق إلى حلبجة” (2014)، لعبد الكريم يحيى الزيباري (نينوى/ 1971).
عبد الكريمي يحيى الزيباري قانوني وكاتب وناقد كردي عراقي. له غير الرواية، التي نتوقف وقفتنا القصية جداً عندها، روايتان أخريان هما: “شاب يحمل بندقيتين”، و”ثلاثة أيام قبل الحريق”.
“هي رواية تأريخية، لكنها لا تتبنى التأريخ الرسمي. إذن هل هي من تلك الروايات التي، سواء أكانت تأريخية أو غير تأريخية، تستحضر ما نسميه المسكوت عنه في التأريخ؟ ربما ولكن جزئياً. فبينما تستحضر غالبية تلك الروايات المسكوت عنه الاجتماعي، الذي لا يكون مصدره الوثائق (الرسمية) أو المعروفة، بل الخاصة من شعبية وصحف محلية وحكايات ومذكرات، فإن رواية الزيباري تستحضر الحدث التأريخي المعروف عينه، ولكن من وجهة نظر خاصة، وإلى حد ما مؤدلجة. ومع هذا لا تخلو الرواية من ذلك الذي فعلته تلك الروايات حين تستحضر، وإنْ بحدود، بعض المسكوت عنه الاجتماعي، بحنكة روائي متمكن من الكتابة الروائية من جهة، واشتغال جاد على مواد تأريخية. ونحن هنا لا نقوم بالحكم معيارياً بل بالتوصيف فقط. من الملف الخاص عن الرواية، ضمن ملفاتي الشخصية عن الروايات المقروءة.
“اشتريت رواية أغنيات الطريق إلى حلبجة بدولارين فقط، كانت نسخة مستعملة، لقد تعرّفت على العالم القديم بثمن رخيص، عادتْ عليّ بربح كبير إذ وجدت فيها هوامش وملاحظات وعلامات استفهام، وذكريات بين السطور، وأملّني طول النظر فيها، فأبصرت بخس الدُرر في استمرار. يبدو أن صاحب الكتاب لم يهتمّ بغير تأريخ المدينة المنكوبة.” من “إغنيات الطريق إلى حلبجة”، لعبد الكريم الزيباري، ص196.