وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
أعداد المدفع 106: هشام الركابي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً، في آذار 1967، بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة جداً عبارة عن ملاحظة واحدة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “أعداد المدفع 106” (1983)، لهشام الركابي (واسط/ 1946).
أول ما عُرف هشام الركابي، ومن البداية روائياً متميزاً، من خلال روايته المعروفة “المبعدون” الصادرة عام 1977. وإذا لم يكن قد أضاف بعدها من رواية بمستواها، فإنه قد أصدر أضخم رواية عراقية هي “صعود النسغ” عام 1986، ورواية “أيوب” عام 2000، وقبلهما رواية “أعداد المدفع 106” التي ظُلمت إهمالاً من بعض النقاد، في موقفهم غير الموضوعي من كل أدب الحرب ردّاً على الموقف غير الموضوعي الذي روّج لأدب الحرب. من الطريف هنا أن نستحضر من رسالة مراسل جريدة (المدى) عن افتتاح قاعة باسم الروائي في واسط، عام 2009، تعريفه الآتي بالروائي:
“الروائي هشام توفيق الركابي أصدر رواية (المبعدون) عام 1977 والتي حققت نسبة توزيع وقراءة كبيرة، و(صعود النسغ)، ملحمة السرد، ورواية (أيوب) عام 1995. وكان آخر ما صدر للركابي (قلعة الحاج سهراب) المجموعة القصصية الصادرة عن دار الشؤون الثقافية نهاية العام (2007) وقد ضمت خمس قصص.” فلاحظوا كيف قفز المراسل على رواية الكاتب “أعداد المدفع 106” التي هي بالتأكيد أفضل فنياً من روايتي “صعود النسغ” و”أيوب”.
“في الواقع أن الركابي لا يبتعد نفساً وفناً في عمله الأخير عن تجربته الأولى، مع فارق أن الأجزاء الأولى من روايته الثانية تفتقد عنصر الشد الذي عرفناه في (المبعدون)، وهذا– على اية حال– لا يصل حد أن يكون عيباً، إضافةً إلى تخلص الكاتب في حوار (اعداد المدفع 106) من المأخذ الوحيد الذي قد يُسجل على الرواية الأولى، في عدم انسجام حوارها لغةً وفكراً وأسلوباً وطولاً مع طبيعة الشخصيات المتكلمة به ومستواها وهذه– كما هو واضح – حسنة تضاف الى الرواية الجديدة.” من مقالي المنشور عن الرواية.
“ثم فجأة، وكما بدأ منذ وقت قصير، توقف صوت عبد الله عن الغناء، سكن، بيد أن الملجأ ظل لفترة أخرى يرن، كما لو نسي نفسه. ظل الجنود الأربعة يطبق عليهم صمت غريب ثقيل، ويشدهم ذهول لا يقهر، وكأنهم أسرى حالة خاصة لم يعتادوها على الإطلاق.” من رواية “أعداد المدفع 106″، لهشام الركابي، ص57.