عقل نسوان
ميسلون هادي
هناك حديث يقول (شاوروهن وخالفوهن)، يذهب أكثر علماء الإسلام على أنه حديث لا يصح الاعتداد به كما حكم عليه بعض أساتذة الحديث بالضعف والوضع.. ليس لأن فيه ظلماً وانتقاصاً من عقل المرأة وحكمتها وحسب… ولكن لأن فيه مخالفة لسنة الرسول الأعظم الذي آزرته خديجة رضي الله عنها بالمشورة وطمأنته بعد نزول الوحي عليه، والحال نفسه مع زوجته أم سلمة في الحديبية بعد أن شاورها وأُعجب برأيها فأخذ به..
واقع الحال إن الكثير من الرجال قد يقعون بتلك المخالفة بشكل لا شعوري.. فعندما يكون الموضوع المطروح للنقاش جاداً وكبيراً، ويكون للمرأة رأي نوعي طريف أو مهم، فإن الرجل لا يتقبل منها هذا الرأي بجدية تامة، أو هو قد يشعر بالإحراج من تقبُّل المعلومة منها. وحتى إن كانت المرأة، في مثل هذه الحالة، ذكيةً وعلى جانب كبير من الثقافة وسعة الاطلاع، فإن الرجل قد يستنكف ظاهرياً من الأخذ برأيها أو مشاورتها في الأمور الكبيرة. ولكن الطريف أنه قد يتبنى مثل هذا الرأي بينه وبين نفسه بعد حين ويعتمد عليه بقوة، خصوصاً إذا كانت تلك المرأة أمه أو زوجته. وواقع الحال يقول إن أغلب البيوت قائمة على إدارة المرأة وحكمتها وعقليتها الاقتصادية الفذة..
والرجل ينتقد المرأة أيضاً على كثرة تقلباتها من حال إلى حال.. فإذا أرادت شراء ثوب من الأثواب ظلت تنظر اليه طويلاً قبل أن تشتريه، وهي في نهاية المطاف قد تنتقل منه إلى ثوب آخر في محل آخر ومن ذلك المحل الى محل ثالث فرابع.. وهكذا قد تمشط السوق كله حتى تحس أن خيارها صحيح ولن تندم عليه فيما بعد…. هذا لا يمنع، بالطبع، أنها إذا وصلت البيت قد تشاور نفسها وتسأل زوجها عن رأيه بالثوب، فيكون رأيه على الأغلب من باب الاستئناس لا أكثر، لأنها تعلم أنها، في الأغلب، ستخالفه الرأي إذا ما خالف رأيها..
الأمر نفسه يحدث إذا ما قررت الخروج من المنزل.. فقد يلبس الرجل ملابسه في خمس دقائق، أما المراة فتقضي وقتاً طويلاً وهي تقيس الملابس لتختار واحداً منها.. وحّدثْ ولا حرج عنها إذا كانت صبية في ريعان الشباب. فقد تقيس أثوابها قبل يوم أو يومين من الدوام، فتقلّب دولاب الملابس رأساً على عقب فوق سريرها قبل أن تختار اللبس المناسب.
في كل شئ، تدقق المرأة… في الخطبة وشراء البيت واختيار الأثاث.. وإذا دخلت مكاناً أو مطعماً لا تجلس فيه مباشرةً أو خبْطَ عشواء كما يفعل الرجل، بل هي تلتقط للمكان صورة فوتوغرافية فورية بعينيها الخبيرتين لتختار من الموائد أفضلها أو أقربها للنافذة. أما اذا أرادت شراء الخضرة أو اللحم أو باقي مستلزمات المنزل، فلا تفعل ذلك كيفما اتفق، بل تقضي وقتاً أطول مع التسوق، سواء في الاختيار أو القرار أو مساومة البائع.
الكثير ينظر إلى هذه الحالة باستخفاف ويبخسها حقها، على أساس أنها ما يسمّونه (عقل نسوان)، ولكني أرى المسألة بشكل آخر…. فالمرأة تفعل ذلك كونَها تريد أن تختار من الأمكنة أفضلها وتشتري من البضاعة أجودها، كما أنها تمتلك الصبر الذي لا يمتلكه الرجل، وهذا الصبر هو الذي يؤهلها للقيام بمهمة استمرارية الحياة والحفاظ على النوع.. لذلك فأنها تاخذ أقصى درجات الحيطة والحذر قبل أن تبت في موضوع سواء علا شأنه أو صغُر….. إنها لا تأمن القرارات المبتوت فيها بسرعة إنما تظل تروح وتجيء كأم القطط التي تنقل صغارها من بيت لآخر سبع مرات، كما يُقال، قبل أن تستقر. فهل هي تفعل ذلك تقلّباً وضعفاً، أم أن غريزة البقاء الحكيمة هي التي تجعلتها تدقق قبل أن تقرر أو تختار ولا تخجل من تغيير اختيارها إذا ما احست وجود شيء أفضل؟
هذه هي حكمة المرأة التي يتهموها بالتقلب والتغير من حال إلى حال.
أما الرجل فيا لثباته على المواقف والخيارات… إنه مربوط من لسانه.. إذا قال كلمة لا يغيرها، وإذا قال رأيا لا يخالفه… قوى عظمى قد تغير آراءها والرجل يعتقد أنه من العار والشنار أن يغير رأيه أو يتراجع فيه.. وكم من مشاكل حدثت ومعارك قامت بسبب عنت الرجال وعنجهيتهم وعطشهم إلى القوة والتفرد بالرأي. ولكن الرجل حساس أيضاً، يذبح الدجاجة بيديه، وإذا رأى شعرة في حسائها يقرف وينتابه الجنون، أما اذا لمس شاربيه وحلف بهما، فقد تقوم الحروب وتنقلب الدنيا من أجل تلك الشوارب وذلك الحلفان.
حمدا لله إن العالم فيه نساء.
حمدا لله إنهن بلا شوارب.