ضوء أخضر إلى الحظ
ميسلون هادي
يقول (بورخيس) في )كتاب الرمل( إن الحياة تعطينا جميعاً بشكل متساو، ولكن البعض منا لا يرى ما تعطيه أياه الحياة… ولو أردنا أخذ هذه المقولة باتجاه هذا الموضوع الذي نطرقهُ عن الحظ، لقلنا إن المحظوظ إذن يرى فقط ما تعطيه له الحياة، وسيئ الحظ يرى فقط ما تأخذه منه الحياة.. فهل ننفض أيدينا من الموضوع قبل أن نبدأ فيه، مادامت المسألة بسيطة على هذا النحو؟.
أنا شخصياً أعتقد أن مسألة الحظ تتشابه إلى حد كبير مع تتابع الإشارات المرورية في الشارع .. فقد تصادفك الإشارة الخضراء طوال الطريق، أو على العكس تعاكسك الإشارة الحمراء. أو تتناوب الاثنتان في اعتراض طريقك، وفي كل الأحوال فأن المسألة خاضعة لقانون الاحتمالات البحت. وأحياناً يعتقد البعض أن الإشارة الخضراء إذا صادفته في بداية الطريق فأنها ستظل تصادفه طيلة الطريق .. وإذا ما أخذنا هذا الاعتقاد مأخذ الجدية لقلنا بوجوب وجود المحظوظين ما دامت الصدفة تخدم هذا البعض (النادر) على هذا النحو .. ولكن ذلك لا يتكرر إلى حد أن نجعل من الصدفة قانوناً.
الدنيا حظوظ
الأمثال الشعبية تلخص لنا حكمة القرون في كلمات قلائل، والمثل الشعبي يحذر الإنسان من شتم حظه لئلا يزعل منه. فهل تصلح هذه الحكمة لبرمجة الحظ. أعتقد نعم .. وإليك بقية البرنامج.
أعقد اتفاق صلح مع الحظ، ولا تقل عن نفسك سيئ الحظ مطلقاً.
دع الإرادة تصنع لك الحظ الحسن .. وإذا لم تجد فرصتك في الحياة اخلقها بنفسك.
إدفع الأشياء السيئة إلى القاع وارفع الأشياء الجميلة إلى السطح.
جملة نصائح تذكرنا بكتب تعليم اللغات بسبعة أيام (دون معلم) .. ودردشة بين الكاتب والقارئ مثل هذه لا تحتاج الى منصة لإلقاء المحاضرات، فلأرجع إذن إلى دأب حبيبتنا النملة التي تعلمنها منها الكثير. البعض يستعين على الحظ بالتمائم والخرز وحدوات الخيول والتعاويذ والبعض يستبشر ببعض الوجوه ويتشاءم من البعض الآخر .. والنساء خاصة يعتقدن بوجود الحظ في مسائل حياتية كبيرة كالزواج والسكن، فالدنيا (حظوظ) ولذلك (يدخل) الحظ إلى بعض البيوت ليقيم فيها و(يخرج) من بعضها دون رجعة! ألم تسمعوا بالمثل العراقي القائل “كصص وعتاب” الناس (كصص) .. والبيوت (عتاب).
أي بالعربي الفصيح في جبهة الوجه (حظ) وفي عتبة البيت (حظ)، فإن لم يتوفرا وجب عليك تلافي الوجه المنحوس والبيت المتعوس. لكن كلمة (يوتيبيا) التي ترمز إلى المدينة الفاضلة تعني باللغة الاغريقية (المكان الذي لا يوجد) .. فأين نجد ذلك البيت الذي يخلو من المشاكل والوجه الذي يخلو من الأحزان!؟؟
أعتقد أن ثمة تفسيراً علمياً بسيطاً لهذه المسألة فهي بالنسبة للبشر مثل الفسيفساء عندما تكمل زيادات القطعة الأولى نقصانات الثانية وبذلك يتماسك بعض الأشخاص، ويتعشقون بشكل منسجم .. أما بالنسبة للبيوت فقال لي مهندس معماري.
-موقعه من الشمس واتجاه الريح .. إضافة الى الموقع الجغرافي.. جميعها تؤثر على الحالة النفسية للساكنين.
ولكن المسألة في داخلنا أكبر من ذلك .. فنحن أحياناً نعمد إلى التقاط أشياء غريبة من الشارع اعتقاداً منا أنها ستجلب الحظ، والبعض منا ربما يحتفظ في جيبه أو في مكان ما من بيته أو سيارته بحصاة أو خرزة أو حجر أو فلس أو خصلة شعر، لأنه يتفاءل بوجود واحدة من تلك التمائم في حوزته، فما علاقة كل تلك الأشياء والحظ؟!
قال لي أحدهم:
-ذات يوم اشتريت سيارة جديدة وكانت الأمور تسير بشكل جيد حتى جاء صديق ذات يوم وأهداني سلسلة تتدلى منها حدوة حصان لكي تجلب لي الحظ.. في نفس اليوم الذي علقت فيه السلسلة تعرضت السيارة لحادث اصطدام نجوت منه بأعجوبة.
وطبعاً ليس لحدوة الحصان دخل في وقوع تلك الحادثة من عدمه، كما ليس للأرقام التي يتفاءل بها البعض أثناء شراء أوراق اليانصيب دخل في الفوز بالجوائز الكبرى. وأحد أولئك المواظبين على شراء أوراق اليانصيب كان يصر على أن تتضمن البطاقة التي يختارها رقم (10) لأنه يتفاءل به جداً، ومع ذلك لم يفز ذلك المتفائل بالرقم عشرة بجائزة يانصيب واحدة في حياته!!! بينما فاز شخص آخر اشترى البطاقة بالصدفة في قصة أغرب من الخيال. هذا الفائز أمريكي من أصل مغاربي اسمه طيب سوامي.. يشتغل محاسباً في شركة، ووضعه المعيشي صعب جداً.. اشترى ذات يوم عصير برتقال بـ 5 دولارات، فوبخته زوجته وطلبت منه إرجاعه، لأن هذا العصير بالذات عليه تنزيلات، والمفروض أن يكون سعره دولارين ونصف.. ذهب طيب سوامي لإرجاع العصير فرفض الكاشير ذلك، وقال له لدينا استبدال فقط، فتلفت طيب سوامي يبحث عما يشتريه، ولفت نظره وجود بطاقات يانصيب خلف الكاشير، فقال له: طيب اعطني بطاقتي يانصيب بدل العصير….. ربحت البطاقة الثانية 315 مليون دولار.. وهذه قصة حقيقية موجودة على غوغل، تخبرنا أنه يمكن لعلبة عصير برتقال في التزيلات أن تأتي بكل هذا الحظ.
ما حدث مع طيب سوامي كان ضربة حظ، أما إذا ظن البعض أن القميص الذي ارتداه في اليوم الأول للامتحانات، وكانت إجابته ممتازة، يجب أن يرتديه طيلة أيام الامتحانات .. فهذا الجانب أراه جيداً للطاقة الإيجابية، ولكن لا علاقة له بالحظ، لأن تفاؤلك بذلك القميص، يندرج ضمن الوضع النفسي المريح الذي يشعر به اللاعب الذي يختار أرقاماً معينة يتفاءل بها دون غيرها، فيقوده ذلك إلى اللعب بشكل أفضل. إنه أيضاً مثل تسجيل الهدف الأول في مباراة لكرة القدم، والذي يؤدي إلى رفع معنويات اللاعبين ويقود إلى تسجيل أهداف أخرى.
ومع ذلك يبالغ البعض في هذه الطقوس إلى حد الوسوسة، فلا يقدم أحدهم على خطوة معينة كان قد نوى القيام بها، إذا ما حصل عائق مفاجئ يبعث التشاؤم في نفسه، كأن ينقطع الكهرباء، أو ينفجر إطار السيارة، أو يسقط إناء زجاجي على الأرض وينكسر. وكلنا سمعنا عن أولئك الذين يتفاؤلون بأيام معينة لعقد القران أو الصفقات التجارية أو السفر ولكن هناك حالة لا أعتقد أن الكثير منكم قد سمع بها وهي أن بعض الخياطات لا يمارسن الخياطة يوم الجمعة إطلاقاً لأنهن يعتقدن أنه يوم (نحس) للخياطة، وأن أي فستان يُقص أو يُخيط في هذا اليوم سيؤول مصيره إلى الفشل الذريع.
حظاً سعيداً
إننا نستعمل كلمة (الحظ) في حياتنا اليومية مثلما تلوك العلكة، ولا نتردد عن تعليق الكثير من خسائرنا على شماعة الحظ دون أن يرف لنا جفن .. إذا انهزم فريقنا المفضل قلنا أنه الحظ، وإذا رفع أحد الغطاء عن أخطائنا قلنا أنه الحظ، وإذا تخلفنا عن حضور لقاء مهم في موعده قلنا أنه الحظ، وحتى في الصياغات الصحفية والأدبية نستعمل تعبيرات مثل ابتسم له الحظ، أو حالفه الحظ، أو أسعفه الحظ، أو (لا تقل شئنا فأن الحظ شاء)!!! تعبيرات لا أعتقد أننا نجد لها مكاناً في الدراسات العلمية والأكاديمية الدقيقة، أو في سجل أهم الاكتشافات والاختراعات والقوانين الكونية، اللهم إلا إذا اعتبرنا سلسلة الحائزين على جائزة نوبل على مر الأعوام في شتى مجالات العلوم هم أناس محظوظون ليس إلا.
وعلى أية حال فالإنسان يحتاج دائماً إلى وسائد من الريش تعينه على تحمل أعباء الحياة وإراحته من أي شعور بالظلم إذا ما انظلم، أو أي شعور بالذنب إذا ما أخطأ، ولكن هذا لا ينبعي أن يجعلنا ننتظر ذلك الوهم لكي يقدح شرارة الخطوة الأولى نيابة عنا.. أو يفرش لنا البساط الأحمر فوق طريق محفوف بالورد والرياحين.. فالذي يهز جذع شجرة بيديه لن يجد من يفعل ذلك نيابة عنه.. والثمر الذي سيتساقط في النهاية هو الحظ الذي نتحدث عنه.
شاهد أيضاً
النصف الآخر للقمر
ميسلون هادي القادم من المستقبل قد يرى أعمارنا قصيرة، وعقولنا صغيرة، لأنها انشغلت بالصور المتلاحقة …